ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

إن القيادة النموذجية التي تتجمع فيها  صفات القيادة الحقيقية مع ندرتها إلا أنني رأيتها مجسمة- في نظري- في شخص الأستاذ الدكتور خالد عرفان عميد كلية التربية بالقاهرة، فالقيادة في شخصيته فطرية أكسبتها الممارسات الإدارية دربة وخبرة فتحققت فيه سمات القائد النموذج الذي تحتاجه أي مؤسسة حتى تنهض وتتطور، وقد نجح الدكتور (عرفان) بذكاء شديد في اختيار مساعديه من الوكيلين، الأستاذ الدكتور جمال الهواري وكيل الكلية لشئون التعليم  والطلاب،  والأستاذ الدكتور عطية السيد وكيل الكلية للدراسات العليا، فكان ثلاثتهم كالطائر المحلق، جسده وعقله العميد، وجناحيه الوكيلين اللذين يحلق بهما في سماوات الإبداع والإنجاز، وقد حرص الدكتور (عرفان) على أن يصهرهم معه في بوتقة القيادة والإدارة في مزج فريد نادر، حتى إنك إذا التقيت بالعميد وأنت لا تعرف أنه العميد لم يرد بخاطرك أن هذا هو العميد لتواضعه الجم وممارسته لكثير من الأعمال بنفسه، وإذا ما التقيت بأحد الوكيلين ظننته أنه هو العميد لقراراته وحزمه، فكل واحد منهم لا يشغله الدرجة الوظيفية بقدر ما يشغله أن يبدع وينجز، وبهذه القيادة الثلاثية تغيرت الكلية في عهدهم شكلا ومضمونا بدرحة وصلت- بدون مبالغة- إلى نسبة ١٠٠٠%، وإذا أردت أن تقف على حجم الإنجازات التي تمت حتى لا تحدثك نفسك بأنها مبالغات، فيلزمك أن تكون قد دخلت الكلية قبْل وبعْد ما تحقق، وسوف يتبين لك الطفرة غير المسبوقة في هذا التطوير، وإذا لم تكن قد سبق لك الدخول إليها قبل تولي تلك القيادة المسئولية، فدعني أصف لك الحالين بكل موضوعية مشاهدتي كمحاضر فيها، فمن ناحية الشكل فإن الكلية في مرحلة ما قبل والتي تمتد لعهود عمادات كثيرة كانت في تدهور مستمر في كل شيء من مقاعد الطلاب البالية المتكسرة إلى تشوهات الحوائط والسقوف والأرضيات، إلى دورات مياه للطلاب والأساتذة التي لا تصلح للاستخدام الآدمي، وكثير منها مغلق، إلى بدروم ضخم يتكون من دور كامل من بناء الكلية الضخم الذي ظل مغلقا لسنوات عديدة دون أدنى إفادة منه حتى تحول إلى مرتع للفئران وكل أنواع الزواحف، فلما جاءت القيادة الثلاثية بهمتها وعزيمتها جعلت تطوير الكلية من ناحية الشكل هدفا من أهم أهدافها فألبست الكلية ولا تزال تلبسها ثوبا قشيبا من الجمال والجلال، فتم عمل نقاشة لكل قاعات ومدرجات الكلية، وتم تجديد معظم أبواب ومقاعد الطلاب في كل القاعات والمدرجات كما تم شراء وتركيب أحدث الوسائل التعليمية فيها، وتم تجديد كل دورات المياه في كل الكلية حتى صارت شبه ما تكون بدورات مياه فندقية.
كما تحول البدروم المهمل العتيق إلى معامل حديثة، ومراكز للكمبيوتر تفيد منها الجامعة مع الكلية في عقد الامتحانات الإكترونية بها، وفي الوقت الحالي يتم بناء دور كامل فوق مبنى الكلية ليكون رصيدا لها عند الاحتياج إليه وبخاصة بعد الإقبال الشديد من الطلاب عليها لما لمسوه من تطوير فيها، وهذا ينبهنا إلى البعد الاستراتيجي في الرؤى والإنجاز عند هذه القيادة فهي لا تعمل لزمنها ووقتها وإنما تنظر للمستقبل وتعمل بصرف النظر عمن تكون له القيادة آنذاك، وهذه النظرة المستقبلية يندر أن نجدها عند كثير من القيادات، ومع ما ذكرته فإنني لن أستطيع أن أقف على كل المنجزات وبخاصة أنها إنجازات مستمرة لا تتوقف.
لقد أصبح للقيادة على أيادي هذا الثلاثي الرائع تعريف جديد، مضمونه: أن القيادة إنجاز يسبقه علاقات من الحب والاحترام.
أما بالنسبة للمضمون وهو الأهم للطالب فقد تغيرت المناهج تغييرا شبه كامل، فحذفت مناهج لم تعد من متطلبات الوقت، وأضيفت مناهج يفرضها التطور في مناهج التربية.
كما أنشئت عدة أقسام جديدة ليس لبعضها مثيل في أي كلية من الجامعات الأخرى، وقد فرضتها ضرورات التطوير واحتياجات سوق العمل.
وقد امتد هذا التطوير إلى طلاب الدراسات العليا والدبلومات التربوية.
وتبقى خطط التطوير في الشكل والمضمون في عقل تلك القيادة الثلاثية مستمرة متواصلة.
ومن أهم إبداع تفكيرهم أن الإنجاز شيئ مهم ولكن الأهم منه المحافظة عليه، ولذلك تلاحظ وأنت في قاعة الدرس من يدخل عليك ليتابع أي خلل فيما تم إنجازه ليقوم على الفور بتسجيله واستدعاء من يصلحه، وبهذا تبقى الإنجازات على حالها، وهذا أيضا مما نفتقده في قيادات كثيرة حيث يتحول الإنجاز لديهم مع إلى تدهور وانحدار تسبب فيه الإهمال وعدم المتابعة. 
وقد يراودك سؤال مهم وهو: لماذا كل هذا الإنجاز قد تحققت في عهد هذه القيادة بالذات دون غيرها ممن سبقوها؟، أليس من الممكن أن تكون الجامعة أكثر تعاونا معهم دون غيرهم فأمدت الكلية بالمال والأجهزة اللازمة؟!، وأنا أجيبك بكل ثقة واطمئنان: بأن ذلك لم يحدث مطلقا ولم تعط الجامعة أي مبلغ ولا أي جهاز للكلية، وأن كل ما تم من إنجازات بالملايين مصدرها من الدخل الذاتي للكلية الممثل في مستحقاتها الآتية إليها من عائد الدبلومات التربوية التي زاد عدد الراغبين في الحصول عليها نظرا لما أصبحت تتمع به الكلية من سمعة علمية، وقد وجهت تلك القيادة معظم هذا الدخل- على عكس معظم من سبقوهم- لتطوير الكلية، فلا بد بالضرورة أن نرى فيها هذه الإنجازات التي تفوقت بها أي كلية في جامعة الأزهر.
ومن عظيم شأن هذه القيادة الثلاثية أنها أعطت ظهرها لمن يعرفون بأعداء النجاح وهم بلا شك لا تخلو منهم أي مؤسسة وما أشبهم بعواجيز الفرح الذين يحتاجون إلى من يخدمهم في كل شيء ولا يتوقفون عن نقد أي شيء، ومن يشغل نفسه بهم لم ولن يفعل شيئا.
وأنا أقترح على الجامعة أن تخصص درعا لتكريم الكلية التي تحصل على أعلى درجة في تحقيق الإنجازات في كل عام، وأنت تخص الكلية بضعف ما يخصص لأي كلية من  أجهزة وأثاث وغير ذلك، من خلال لجنة تَستقبل من كل كلية إنجازاتها على مدار العام مكتوبة، ثم تتابعها على أرض الواقع لتعطي تقييما حقيقيا بما أنجزته، وأنا لا أشك مطلقا في أنه لو اعتمدت هذه المسابقة فسيكون درعها لصالح كلية التربية طالما بقيت تلك القيادة الثلاثية.
ويبقى أن أقول أن هذه القيادة تتمثل في ثلاثة رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فأصدقهم وأعانهم ووفقهم، ولن يضرهم من خذلهم.

تم نسخ الرابط