الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

 الإنسان مخلوقٌ يحب الخيرَ ويميل إليه، ويُؤْثِرُه كما يُؤْثِرُ الطيرُ التحليقَ في الهواء؛ لما في فطرته من كمالات وطهارات، لكنْ قد تعترضُ فطرتَه بعضُ الشوائبِ فتصدَّها عن الخير، حالَ الطيورِ عندما تقع في الشراك فتمنعُها من التحليق .
   لذا كانت الحاجة المتكررة إلى تدعيم تلك الفطرة بما يُجلِّي حقيقتَها ويضاعفُ من مقاومتِها لكل ما يصرِفُها عن تقديم الخير للناس، ومنه: قضاءُ حوائِجهم أغنياءَ كانوا أو فقراءَ، أقرباءَ كانوا أو غرباء.
   ومما يدعم كمالاتِ الفطرة وطهارَاتِها أنْ نَعِيَ أنَّ تَنْشِـئة النفوس على فعل الخير وتقديم العوْن وقضاءِ حوائجِ الناس أمرٌ لا يسعدُ به طالبِي العون والمعروفِ فحسب، بل يسعدُ به الباذلون أيضا، حيث يَقِيهم عواقبَ الأثرةِ والأنانيةِ العمياء، فضلا عن زلازلِ أحقاد الحاقدين من الأندادِ قبل المُعْوِزِين .
   والقرآن يؤكد على ذلك، ويَزِيدُ: أن اللهَ لا يسألُ الناسَ أموالَهم لأنه الغنيُّ المُطْلَق ونحن الفقراء، والفقراء لا يُطْمَعُ منهم البذلَ ، فتعيَّنَ أنَّ دعاءَ القرآنِ للبذلِ وتقديمَ العونِ إنما هو دعاءٌ فيما يعود علي مُقَدِّمِي العونَ بالنفْعِ والخير قبل الغيرِ، وهو ليسَ على سبيل الإلْزام، ولوشاء الله لألزمَ الناس، ولو ألزمَهم لأظهروا العصايان والكراهية لذلك  فيستحقُّوا العقوبة؛ فكان من لطفِ الله بنا أنْ رغَّبَ في ذلك بالحكمة والإقناع.
 قال تعالى:" وَلَا يَسۡـَٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ.إِن يَسۡـَٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ.هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم" محمد :36/ 38،    
  والإحْفَاءُ:الجزْمُ في الطلب وإِيجابُه، أي: فيوجبْ عليكم بذلَ المال ويجعلْ على منعِه عقوبةً. والبخل: منعُ بذل المال.والضِّغْن: العداوة،والمعنى: يمنعوا المالَ ويُظْهِروا العصيانَ والكراهية.
  وكان من ضروب الإقناع أيضا: التأكيدُ في أكثرَ من موضعٍ بالقرآن على أنَّ ما يُنْفِقُهُ الإنسانُ أو يقدمُه للآخرين من عونٍ إنما يقدمُه لنفسه، فضلا عن شكر الله له، ومضاعفته الثواب والجزاء.
  قال تعالى : "وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ "البقرة:272
  وقال:"وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ" المزمل:20
 وقال:"إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" التغابن:17 
 فسارعوا في الخيرات وفي قضاء حوائج الناس؛ فما أصلحَ الله زوجَ زكريا عليه السلامُ ووهبَ له الولدَ إلا لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات .
  وسابقوا في إدخال السرور على من حولَكم بقضاءِ حوائجِهم يكنْ لكم مؤنسا وعنكم مدافعا.
  اجعلوا أيديكم ممرا لعطاءات الله للناس ولا تقبضوها فيمنعُ الله ما كان يمرُّ منها.
            وفقنا الله وإياكم إلى فعل الخيرات، وتقديم العون وقضاء حوائج الناس

تم نسخ الرابط