الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

دموع الشمس .. دموع القمر
 تطلق كلمة : آية بصفة عامة على الأمر العظيم الذي يستوجب التوقف والتدبر والتإمُّل للوصول إلى ما جعل شاهداً وبرهاناً عليه.
  قال تعالى:"وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ"الروم/22
وقال:" وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ" فصلت/37
وقال:" وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ "الروم/21
  فجعل القرآنُ خلقَ اللِه للإنسان من نفسه زوجا ليسكنَ إليها ويأْنسَ بها كخلق السموات والأرضِ، والليل والنهار والشمس والقمر في الإبْهار والإعجاز واستحقاق التدبر والتأمل، واستيجاب الشكر.
 وليكون هذا الخلقُ أساسا للتناسل وكينونة العائلة، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزاً في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ .
وفيه أياتٌ تستوجب التأمل والتدبر والشكر .
 الأولى :أنه خلق لنا زوجاتنا من أنفُسِنا،أي: من نوعِنا، ولم يجعلْها من نوع آخر كالبقر أو الغنم أوغيرهما ، لأن التأنس لا يحصل بنوع آخر. وهو تعبير يوحي بأن زوجكَ جزءٌ منك.
الثانية : أنه جعل العلاقة بينهما علاقة زوجية، فقال:" أَزۡوَٰجٗا " وهو تعبيرٌ يُؤْذِنُ بملازمة الزوج لزوجته، وملازمةِ الزوجة لزوجِها على نظام لا يسمحُ لأحدهما بالانصراف عن الآخرِ كما تُهْمِلُ العجماواتُ إناثَها وتنصرف إناثُها عن ذكورِها . 
  الثالثة:"لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا "، يُقاَلُ: سكنَ في البيت، وسكن في المدينة، ولا يقال: سكن إلى البيتِ، إلا أنه عبر هنا بـ: إلى ،فقال لتسكنوا إليها،أي: إلى زوجاتِكم ،فصار الفعل تسكنوا مُضَمَّناً معنى : تميلوا ، فكأنه قال : خلق لكم من أنفسكم زوجات لتميلوا إليها، وهو تعبير فيه من الأدبِ وسُمُوِّ التعبير عما يكون بين الزوج وزوجته عندما يرجع مجهدا مثقلا بالأعباء فيميل إليها وكأنه تضع عنه ما يُثْقِلُ كاهلَه .
 الرابعة: " وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ" فالرجل يتزوج المرأةَ، والمرأةُ تتزوجُ الرجلَ يكون من وادٍ، وهي من واد آخر لا يكون بينهما سابق عشرة، فيجعل الله بينهما بالزواج مودة ورحمة .
 لذلك يمتن الله على عباده ويذكِّرُهم بتلك الآيات وهذه النِّعَم فيقول : "وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ ".
ثم إنه حضَّ على حسن عشرتها والإحسان إليها لأنها لا تحسن الإبانة عن حجتها في الخصام، وإن تكلمت جعلت حجتَها على نفسِها ، فلا تملك إلا البكاء، لا تجد إلا الدموع، لذا قال الحق عنهن :"أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ "الزخرف/18
 ومعنى:"يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ" تُجْعَلُ لها الحليةُ من أول عمرها وتستصحبها في سائر أطوارها وهو كناية عن ضعفها الذي يحول بينها وبين تحمل الحزن والخصام ومن باب أولى الصعاب.
إنني لا أعني بدموع الشمس دموع " لينا " في فيلم "" Tears of the Sun بل دموع زوجتِك التي تميلُ إليها وتسكن، زوجتك التي جعل الله بينك وبينها مودة ورحمة،زوجتك التي تقر بها عينُك، زوجتك التي وهب الله لك منها الذرية .
فزوجتك هي شمسُ البيتِ وقمرُه .
 فكن نبيلا حسن العشرة وكفكف دموع شمسك وقمرك.
بارك الله في زوجاتنا وذرياتنا وجعل منهم قرة أعين .
وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء

تم نسخ الرابط