ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

أنا بكره اسرائيل

خلف الحدث

بهدف إحياء تراث وكتابات القامات الأدبية الكبيرة التي قدمت الكثير للكتابة والصحافة العربية في سلسلة مقالات نادرة نعيد نشر هذه المقالات للاستفادة منها وفي حلقة اليوم بقلم  د. أحمد خالد توفيق في المقال المنشور بتاريخ 11مارس 2008 يقول

لو تصالح كل العرب مع إسرائيل فلن أكون أنا ضمن القائمة بالتأكيد، لأنني ألعنهم وألعن الأرض التي يمشون عليها، وأكره منظرهم ولون علمهم ولغتهم. أنا من جيل أوشك أن ينقرض تعلم أن يكره إسرائيل بحق .. أطفال بحر البقر الذين ماتوا بالقنابل كانوا في سني وقتها بالضبط، وكان يمكن أن أكون أنا لو فضلت الطائرات محافظة الغربية على الشرقية ..
كنت أتابع في شغف برنامج (ماما سلوى حجازي) في التلفزيون، وعرفت ذات صباح أن الإسرائيليين اسقطوا طائرتها .. لماذا ؟.. لأنهم أولاد كلب طبعًا .. أنا من جيل عرف في المدرسة قصة دير ياسين وكفر قاسم ورأى أباه يبكي يوم استشهاد (عبد المنعم رياض)..
أنا من جيل تعلم أن يكره كل ما هو إسرائيلي وما زال منظر حروفهم العبرية يجعل الشعر ينتصب اشمئزازًا على ساعدي لأنه يذكرني بمنظر أقدام العنكبوت. كان هذا قبل أن يعم السلام الأرض، ويبحث منافق ما في مكتبة الإذاعة عن أغنية أم كلثوم (بالسلام احنا بدينا بالسلام) ويقوم بإعادة إحيائها مع لقطات من أغلفة مجلة أكتوبر للسادات وبيجين وهما ينظران لبعضهما في شوق وحنان، وبيجين يضحك في رقة الملائكة لأننا (مهما كنا ومهما كنتم من حقوقنا ومن حقوقكم .. الحياة والسلام .. ياسلاااااام !). وكانت الأغنية تدوي بينما الطائرات الإسرائيلية تقصف المفاعل العراقي، وبينما جثث صابرا وشاتيلا تملأ الشوارع فيقيء المراسل الفرنسي الذي رأى المشهد برغم أنه سد أنفه بمنديل.
ربما أنا متأخر عن عصري وربما عفا الزمن علي، لكن هل تغير الإسرائيليون حقًا بما يكفي لجعلي متخلفًا ؟..
جثة إيمان حجو الرضيعة التي لم يعد لها ظهر – حرفيًا – تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
صرخات أبي محمد الدرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
هدى الطفلة التي تهز جثة أبيها محاولة جعله يفيق بمعجزة ما تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
جثث الأطفال التي تتناثر ليلاً نهارًا على شاشة الجزيرة تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
الطفلة المصرية التي قتلت على أرضنا وبين أهلها تؤكد أنهم لم يتغيروا ..
لا سبيل للتعامل مع هؤلاء ولا لغة يفهمونها سوى لغة الصواريخ التي تهوي على رءوسهم.
أعرف يقينًا أنهم زائلون وأن فرصة حياتهم في وسط معاد كاره لهم يفوقهم عددًا معدومة . وكما يقول الصحفي الأمريكي الذكي جيمس بنكرتون : “من المستحيل إخضاع الإسلام. لم يحدث قط في أي مكان من العالم – ما عدا في سجن (أتيكا) الأمريكي فقط – أن استطاعت أقلية بيضاء أن تسيطر على أغلبية مسلمة” . لكني أتألم حقًا لأنني لن أرى هذا المشهد في حياتي. سوف يحتاج الأمر إلى ثلاثين عامًا أخرى على الأقل، وعندها ربما يتذكر آخر راحل منهم أن يطفئ النور قبل أن يركب الطائرة العائدة إلى أوروبا كما يقول أحد مفكريهم ساخرًا. يبدو لي أنهم قرروا قتلنا بطريقة أكثر نظافة وأناقة عن طريق ارتفاع ضغط الدم من الغيظ. كل هذه المذابح على الشاشة ولا أحد يعلق كأن ما نراه على الشاشة جثث دجاج أعدموه وقاية من إنفلونزا الطيور، ومجلس الأمن عاجز عن الإدانة، وبوش يرى كعادته أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ثم ينتفض العالم غير مصدق لبشاعة الجريمة التي حدثت في القدس الغربية.. يا للهول !… أوه نو .. !… ماي جاش !… فلسطيني قتل المدنيين ؟.. جود هيفنز .. يهب بوش ليدين بأعنف عبارة، ويجتمع مجلس الأمن بسرعة البرق. ثم أقول لنفسي إن إسرائيل مجرد ولاية أمريكية أخرى تم زرعها هنا، وعلينا أن نتعامل على هذا الأساس ونكف عن تصديق هراء الشريك الكامل وكل هذا السخف. أمريكا لن تتخلى عن تكساس أبدًا .. هذا مفهوم ..
أتذكر هنا مقطعًا من (صلاة الجندي) للعبقري الأمريكي مارك توين، يسخر فيه من فكرة الحرب، لكن الغريب أن هذا ما أريده للإسرائيليين فعلاً: ” يا رب ساعدنا على أن نملأ قلوب أراملهم بحزن لا طائل منه .. ساعدنا على طردهم من بيوتهم مشردين منبوذين في الخراب الباقي من أرضهم المدمرة، عراة يتضورون جوعًا وظمأ.. يعانون قيظ الشمس وبرد الشتاء محطمي الروح أنهكهم العذاب… يسألونك رحمة القبر لكنهم يحرمون منها. من أجلنا يا رب دمر أحلامهم وافسد حياتهم .. اجعل خطاهم ثقيلة واغرق دربهم بالدموع، ولطخ الثلج الأبيض بالدم النازف من أقدامهم. نسألك هذا يا رب يا من هو ملاذ من يطلبون عونه بقلوب مفعمة بالندم.. آمين !!!”. سئمت أن نكون نحن المظلومين كل مرة، وأن نسعى كالمطلقات نطلب حقوقنا في ردهات مجلس الأمن.. سئمت مشاعر المظلوم الذي يكنس السيدة زينب وأريد أن أستمتع ولو مرة واحدة بمشاعر الظالم أو – على الأقل – مشاعر الذي لا يجرؤ الناس على ظلمه . بعبارة أخرى نجح هؤلاء القوم في جعلي أفقد جزءًا من إنسانيتي ..
في حرب 73 نشرت الصحف صورة جثة طيار إسرائيلي متفحمة، وكان مربوطًا بالسلاسل لمنعه من القفز من طائرته لو انطلقت صواريخ سام 7 نحوه .. هذه صورة إنسان احترق حيًا لكن بائع الصحف علقها في فخر، وبيعت الجريدة في دقائق وسط التهليل والانتشاء .. لا يمكن أن تلوم هؤلاء المنتشين .. فلتلم من جعلهم كذلك .. رأيت أمس في التلفزيون مشهد امرأة فلسطينية طيبة يمكن أن تكون أمي أو أختي وهي تصرخ مستغيثة بينما كلب بوليسي يمزق ذراعها .. كلب إسرائيلي ابن كلب طبعًا . وماذا عن طالبة المدرسة الثانوية المحجبة الرقيقة بنت الناس التي ظهرت على الجزيرة منذ أعوام لتقول إن جنديًا إسرائيليًا أرغمها وزميلاتها على التعري، ثم راح يمارس الاستمناء وهو يتسلى بعرض الستربتيز المجاني هذا ؟.. قالتها وانفجرت في البكاء …..
نعم أنا أكره إسرائيل بقوة ، ولا شيء يسرني مثل ألمهم ودموعهم وصرخاتهم ودمهم يبلل الطرقات.. منظر طواقم الإسعاف ورجالها الملتحين بطاقيتهم المضحكة على مؤخرة الرأس كأن الواحد منهم استعار سروال طفلته الرضيعة، وهم يشدون الشريط الأصفر حول مكان الانفجار .. هل يوجد أجمل من هذا ؟، وهي الهدية التي لم أتلقها إلا في حرب 73 ومع العمليات الاستشهادية ومع الشيخ حسن نصر الله بعد ذلك. ربما أنا من جيل منقرض إلى زوال، وربما عجزت عن فهم العالم وتغيراته كما عجزت عن فهم معنى كلمات (نفسنة) و(تثبيت) و(حلاقة) في عصرنا هذا، لكنني لن أتغير .. وما يسعدني بحق هو أن هؤلاء المجانين يواصلون جرائمهم بشكل يفوق تحمل الجهاز العصبي لأي إنسان، بحيث يكسبون كل يوم أعداء جددًَا بين الشباب والأجيال الصاعدة التي فتحت عيونها لترى المذابح. في لحظة من اللحظات قبل الإنتفاضة الثانية نامت القضية فعلاً، وصارت علاقة الشاب بالإسرائيليين هي سائحة عارية الصدر رآها في دهب أو شرم الشيخ، ثم تنبه الجميع إلى أن هذه السائحة تقتل وتذبح كذلك … رهاني أن هذا المقت وكل هذه النيران لن تذهب سدى .. سوف تحرقهم يومًا ما بطريقة ما .. نعم .. لا أجد عبارة أنهي بها مقالي أبلغ من: أنا باكره إسرائيل وأقولها لو أتسأل ..لو حتى أموت قتيل أو أخش المعتقل .. هيييييييييييه !

تم نسخ الرابط