تمضي السنون، وتتعاقب الأجيال، وتتلاحق الأمم، ويظل التاريخ يُنصِتُ في إجلال وإكبار لسيرة سيد الثقلين الطيبة العطرة، والتي بقيت رغم كيد الكائدين - كما هي في جوهرها الأصيل، ساطعة كالفجر، بعد أن جمع الله لحضرته من رؤية الحق والنور، ورفعة النفس، وسمو السريرة، ما شرفت به الدنيا، وعمرت به الحياة، وما زالت البشرية تلهج بمبادئ الإنسانية التي أرسى قواعدها ذلكم المعلم الأول ، بتشريع صارم خلده ذلك الدستور الإسلامي الخالد في أسمى وثيقة حضارية عرفتها الدنيا باسم (خُطبة حجة الوداع)، والتي جاءت لتنص على رعاية الحقوق، وحماية المحرمات، وأداء الأمانات وحرمة الأموال والدماء، والتحذير من مآثر الجاهلية، ومن الكفر، والشيطان ومداخله، وتأكيد حقوق الزوجين، وأخوة الإيمان، والاعتصام بالكتاب والسنة، والتسامح والصفح الجميل، والأخوة الإنسانية ... حَجَّةٌ واحدة، جمعت وأجملت أنوار عقيدة . ملأت قلوب الألوف من الصحب الكرام آنذاك، هداية وورعا، وعدلاً، وصلاحًا، وإيمانا عميقا، حرّرهم من العبودية لغير الخالق -سبحانه-، وزکت به نفوسهم، وظهرت به قلوبهم، وعمرت به الحياة الجديدة في كل أرض فتحوها بأنوار الإسلام، الذي هو «الدين الجامع، وهو آخر أدوار الرسالة الإلهية، وهو الجامع بينها، وهو آخر الخطوات في كمال الدين السماوي)، ولذلك نزل قول الله - تعالى - في يوم عرفة من هذه الحجة العظيمة على حبيبه المصطفى.