مبادئ قضائية أسسها إبراهيم الهلباوي بك
** إن المتأمل لتاريخ - نجم المحاماة الأول في مصر - إبراهيم الهلباوي بك في المحاماة لَيقف على مبادئ قانونية أسسها في مرافعاته واستقرت فيما بعد بنصوص القوانين.
كتب القاضي بهاء المري رئيس محكمة جنايات مستأنف المنصورة، عبر صفحته على الفيسبوك عن تاريخ إبراهيم الهلباوي بك في المرافعة، ويلقي الضوء حول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
**في عام 1886 تولي الهلباوي الدفاع في قضية رفعتها النيابة العامة ضد علي بك شوشة حكيمباشي المديرية لقذفه في حق الدكتور واسيلي ديمتري حكيم مستشفى طنطا.
كانت قضية السب هذه تم تحقيقها قبل فتح المحاكم الأهلية وانتهى تحقيقها على يد النيابة. ترافع فيها الهلباوي ودفع بعدم جواز إقامة الدعوى في هذه التهمة السابق الحكم فيها من مجلس التأديب المشكل من مصلحة الصحة وقد قضى هذا المجلس بعقوبة ضد الدكتور علي شوشة بأن يبقى أسبوعا في منزله ولما كان القانون الواجب تطبيقه على هذه الواقعة كان قائما قبل صدور قانون العقوبات فإذن كانت العقوبة السابقة التي صدرت من مجلس التأديب هي العقوبة المقررة في ذلك القانون ولا يصح معاقبة الشخص على فعل واحد مرتين.
كان شرح الهلباوي لهذا الدفع جامعا لكثير من القواعد القانونية فأعجب السامعين وصفق الجمهور فطلب منهم رئيس الجلسة حفظ النظام مرارا ومع ذلك استمر بعضهم في التصفيق فوجهت إليهم النيابة تهمة الإخلال بالنظام فقال لهم رئيس الجلسة ولئن كان ما ارتكبتموه يستوجب العقاب حقا إلا أنني أعفيكم من العقوبة إكراما لبلاغة هذا المحامي الشاب. وفي آخر الجلسة صدر الحكم بقبول الدفع ورفض الدعوى لسبق الفصل فيها. زهو ما قننه قانون الإثبات (م 101) وقانون المرافعات (م 116) وقانون الإجراءات الجنائية (م 454).
الإذن قبل وكالة محام ضد محامي:
بعد أن انتقل الهلباوي من طنطا إلى القاهرة بزمن قليل - في العام 1889 - أرسل إليه رياض باشا رئيس مجلس النظار شاب ومعه كتاب توصية ليترافع في قضية ضد والد هذا الشاب الذي كان ملتزما للأسماك بمديرية الغربية ودفع تأمينا على هذا الالتزام ولما انتشرت الكوليرا في ذلك العام بمصر - 1883 - أمرت الحكومة بمنع صيد الأسماك مما حال بين الرجل وبين مباشرة عمله فأعلنته المالية بمصادرة مبلغ التأمين وبطالبته بباقي مبالغ الالتزام فالتجأ لمحام يدافع عنه هو الأستاذ حنا زنانيري وقد جاء في شروط التوكيل أن المحامي يستحق أتعابا في هذه القضية بواقع 12% عن كل مبلغ يحذف من طلبات الحكومة أو من كل مبلغ يحكم به للمدعي عليه.
نظرت الدعوى بمحكمة طنطا وحكم فيها باستحقاق الحكومة لمبلغ التأمين وبإلزام المدعي عليه بمبلغ يربو على نصف مبلغ المقاولة واستؤنف الحكم وحكم استئنافيا بتأييده.
مات الرجل عقب هذه الأحكام فاستصرخت ورثته برئيس الوزراء وحملوا إليه عريضة شكوى قدمها إلى رئيس قسم قضايا المالية وأمر بتأجيل البيع وقدم رئيس قلم القضايا يفيد أن الورثة يستحقون من الحكومة العطف والرحمة بهم والاكتفاء بما ضاع عليهم من مبلغ التأمين وأمر وزير المالية بالتنازل عن المبالغ المحكوم بها وعن الحجز.
انتهت قضية الحكومة بهذا التنازل وجاء دور الأستاذ زنانيري يطالب الورثة بأتعابه طبقا لما جاء بشروط الاتفاق مع مورثهم فأوقع حجزا تحفظيا على الأموال التي كان محجوزا عليها لمصلحة الحكومة ورفع دعوى على الورثة يطلب الحكم بمبلغ 1200 جنيها ومحكمة أول درجة حكمت له بمبلغ 600 واستأنف له بتوكيل الأستاذ نقولا توما.
جاءت عريضة الاستئناف إلى الهلباوي ليدافع عن الورثة ضد الأستاذ زنانيري المحامي فأظهر عدد من المحامين امتعاضا من توكيل الهلباوي ضد زميل له. ولما ذهب الهلباوي إلى المحكمة أظهروا له ذلك وألحوا عليه للاستقالة من هذه القضية فقبل وطلب أجلا ليتنازل عن التوكيل فتأجلت القضية.
على إثر هذا التنازل طلب رياض باشا رئيس الوزراء التحقيق مع الهلباوي بواسطة وزير الحقانية حين رفض التوكيل عن جماعة يظنون لهم حقا في الالتجاء إلى أي محام. وان رفض التوكيل عنهم كان نوعا من الإضراب الذي يعطل سير القضايا إذا كان الخصوم فيها محامين. أوضح الهلباوي أن سبب امتناعه صيحة صاحها في وجهه المحامون ومنهم خليل باشا إبراهيم وأحمد بك الحسيني وإبراهيم بك اللقاني وسعد زغلول فاستدعاهم النائب العام فأنكروا ولما شدد عليهم انقلب الأمر إلى جد ممزوج بمجون وأخذ الأساتذة في الدفاع عن مبدئهم واستنكر النائب العمومي هذا وطلب من الهلباوي الاستمرار في الدفاع عن هؤلاء الموكلين فطلب منه الهلباوي أن يندبه النائب العمومي لذلك بكتاب يكون له حجة ضد الناقدين، فجاءه كتاب بذلك، وبناء عليه طلب الهلباوي من الأستاذ نقولا وكيل المستأنف الصلح على مبلغ مناسب فقال على شرط أن يزيد عما حكمت به محكمة أول درجة فرفض الهلباوي ورفع استئنافا فرعيا طلب فيه إلغاء الحكم الابتدائي وتقدير أتعاب مناسبة يلاحظ فيها ما أصاب الموكل من خراب وكان الأستاذ قد استلم مقدما مبلغ 50 جنيها فطلب الهلباوي أن يقدر له نصف هذا المبلغ وبالفعل حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الاستئناف وتقدير أتعاب المحامي وفق ما طلب الهلباوي. وقد قنن قانون المحاماة الحالي هذا المبدأ في المادة 68 منه.