ads
الأحد 24 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

كل شخص تربى في بيئة مختلفة عن الآخر ونشأ في أسرة تلقى منها أفكار وعادات وتقاليد وذهب بها إلى المجتمع ليلتقي بأناس مختلفون عنه فكرياً واسريا ؛ فلا تتوقع أن الجميع مثلك ولا تنتظر ردود أفعال تشبهك وهذا هو الخطأ الذي نقع فيه جميعا أنتظارنا دوما ان أفعال من أمامنا تشبهنا ومن هنا تحدث الصدمة ؛ فالشخص الذي تربى على الحرام والحلال، غير الشخص الذي تربى على النفاق ! والشخص الذي تربى على الأصول والمبادئ غير الشخص الذي لا يعرف عنوان للكرامة والكبرياء ؛ فعند تعاملنا مع البشر باختلاف طبائعهم وأفكارهم وتربيتهم ننتظر دوما ان يكونوا مثلنا وهذا مستحيل!
فالبعض نشأ في أسرة يعلم جيداً مدى حرمانية الحلف بالله كذب ؛ فتجده يصدق كل من حلف بالله وعندما يكتشف كذب وخداع من حلف بالله كذباً يصاب بالصدمة ولكن لو تمعن في كتاب الله يجد أن هناك بعض البشر يحلفون كذبا على الله سبحانه وتعالى فماذا تنتظر منهم؟! ، :"يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا"، "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ"، فبعد ذلك لم أصدق كل من يحلف ولا أحزن على كذب أحدهم عليّ ، بل الله سبحانه وتعالى أمرنا الا نطع من يحلف كثيرًا لأنه لو عَلِمَ عظمة الله وجزاء من يحلف كذب بالله لما حلف!" وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ"، فقد تعودت عند حيرتي في أمر ما أن ألجأ لكتاب الله تعالى وخاصة في زمن انتشرت فيه الفتاوي الضالة ، وصار لكل معصية فتوى! وهذا ما جعلني أقرأ كتاب الله وأبحث فيه وأتمعن في كلامه حتى يطمئن قلبي ، فالله سبحانه وتعالى حدثنا وأخبرنا عن كل شيء ولم يترك مسألة الا وتطرق لها ووضع معها الحل ، بل كل ما نتعرض له في الحياة ويجعلنا نشعر بالحزن والآسى نبأنا الله به، وحدثنا أيضًا عن الناس ، فحينما أقرأ كلام الله ووصفه لبعض المشاهد من الآخرة ينتابني الشعور بالدهشة والطمأنينة للصبر على ما نصادفه في الحياة الدنيا من أحداثها وناسها .
فطبيعة الحياة حلبة صراع بين الحق والباطل ، بالصراع يرتقى المؤمن ، وتُقام الحجة على الكافر، طبيعة الحياة دار ابتلاء لا دار استواء ، لا دار تشريف دار تكليف ، هذه حقيقة الحياة.
فكن من الغرباء ومن عباد الله القليل ؛ ففي مرحلة ما في حياة كلًا منّا نصل فيها للصدمة والخوف من كل شيء ومن اي شيء ، مرحلة عدم فهمك لبعض أمور الحياة والاشخاص، عدم استطاعتك التمييز ما بين الحق والباطل، ترى من يتحلى بصفات سيئة كالكدب والغش والخيانة هو من يربح ويصل لمراده ! ومن يتحلى بالصدق تتعرقل امور حياته بسبب صدقه!وتسأل نفسك دومًا هل أكون مثل هؤلاء أم هؤلاء!؟ .
في تلك المرحلة ستتعلم ان لا تلجأ الا لله ولا تعتمد غير على الله ولا تستعين الا بالله ولا تتوكل الا على الله ، ستشعر في تلك المرحلة بالقوة ، ولا أقصد قوة جسد او قوة عضلات بل  قوة من الله، بأنك لا تخشى غير الله، ولا تخاف من اي شيء او اي شخص في الدنيا غير الله، ستشعر بأنك تغيرت كليًا للأفضل، وانك قادر ومستعد لمواجهة الحياة والمستقبل باحداثه وناسه، ستُسعدك الاشياء البسيطة المعنوية أكثر من المادية، ستبتعد عن كل من يجلب لك الحزن والضيق حتى ولو كانوا اقرب الناس لك .
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء، قيل: ومن هم؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس "، فهؤلاء الغرباء يزيدون إذا نَقَصَ الناس ؟ اي إذا قلَّ أهلُ الخير زادَ خيرهم ، وإذا قلَّ أهل المعروف زادَ معروفهم ، وإذا قلَّ أهلُ الورع زادَ ورعهم ، وإذا قلَّ أهلُ الالتزام زادَ التزامهم .  
لقد أثنى الله عز وجل على عباده القليل، ومدحهم في مواضع من كتابه ؛ وآيات آخرى يذمّ فيها الكثير ويمدح القليل؛ كما قال ابن القيم  رحمه الله :"عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين "، فهناك شعور ينتاب الإنسان المؤمن، بأن يشعُر أنه في زمن عمّ فيه الظلم، وانتشرت فيه الفواحش،وانتشرت فيه الفتاوي، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، يشعُر فيه المؤمن بالحيرة لكثرة الظالمين وكثرة الفاسدين وتوسوس له نفسه بأنه من المُحال أن كلُّ هؤلاء الناس على خِلاف الحق !؟  فاليوم لو أُتيحَ لإنسان أن يحصل على مال بغير حق ورفضه لأُتهم في عقله، لو لم تتبع الباطل لأتهمت بالجنون، فأشعر بالسعادة أن كنت من القليل ، فحينما يَعمُّ الفسادُ في الأرض ، أكثر الناس لا يبالون أكانَ كسبهم حلالاً أم حراماً ؟أكثرُ الناس لا يبالون أكانت علاقاتهم مع بعضهم مشروعةً أو غيرَ مشروعة ؟أكثرُ الناس لا يبالون إذا كانت أعمالهم أساسها طاعة أو معصية ؟ !فمن يتمسك بدينه وبمبادئه  يشعر بالغربة حتى وهو بين أقرب الناس إليه أهله! وضرب لنا الله مثلًا امرأة لوط وابن نوح وامرأة فرعون .
فالعبرة ليست في كثرة العدد، فليس بشرط حينما يجتمع الكثير على أمر ما أنهم على حق، بل غالبًا هم أقرب للباطل! فإذا وجدتَ نفسكَ في عصرٍ ما مع القِلة الطائعة بعيداً عن الكثرة العاصية ، مع القِلة المتبّعة للحق بعيداً عن الكثرة التائهة والضالة المُتبعة للباطل، فأنت من عباد الله القليل الذين أثنى عليهم الله سبحانه وتعالى.

تم نسخ الرابط