الخميس 19 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

من سلسة حكايات مسافر

تشترك مصر وفرنسا في جانب حياتي مهم للغاية ألا وهو الحضارة الإنسانية. مقارنة بدول كثيرة أنشأت حديثاً، نسبياً، تتميز مصر وفرنسا بعمق تاريخي وحضاري هائل، لأنهما دول قديمة، أدركوا الحضارة في عصر قديم، جعل من طبع الشعب طبعاً مختلفاً ومتميزاً. 

تحتفل فرنسا بعيدها الوطني في 14 يوليو من كل عام، وهي مناسبة توافق اقتحام سجن الباستيل وقيام الثورة الفرنسية على النظام الملكي في عام 1789. ويسمى أيضاً هذا اليوم بيوم الباستيل. لأن هذا اليوم مثَّل نقطة تحول هامَّة في مجريات الثورة الفرنسيَّة.

وبهذه المناسبة تقام احتفالات رسمية في جميع أنحاء البلاد وعروض عسكرية، خصوصاً، ُيقام عرض عسكريّ سنويّ ضخم بهذه المناسبة في جادّة الشانزليزيه وسط العاصمة باريس يحضره رئيس الجمهوريَّة وغيره من المسؤولين الفرنسيين رفيعي المستوى والضيوف الأجانب حيث يوصف العرض بأنَّهُ الأقدم والأكبر من نوعه في أوروبا كلَّها.

ويكون ذلك، في ساحة الكونكورد في العاصمة باريس بالشانزيليزيه أمام مسلة مصرية قديمة هي مسلة معبد الأقصر، التي تعد شاهدة على كثير من الأنشطة السياسية المصرية والفرنسية منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن. 

يسير العرض قاطعًا الشانزليزيه بدءًا من قوس النصر حتى بلوغ ميدان كونكورد حيث يكون رئيس الجمهورية الفرنسيَّة وحكومته والسفراء الأجانب واقفين.

يحظى العرض العسكري في يوم الباستيل بشعبية واسعة داخل فرنسا حيث ينقله التلفزيون الفرنسيّ مباشرةً. 

يعزف النشيد الوطني لدولة فرنسا والذي يسمى، "لامارسيّاز" هو النشيد الرسمي الفرنسي الذي ولد من رحم الثورة الفرنسية سنة 1792 ليحشد الصفوف القتالية في مدينة ستراسبورج قصد الدفاع عن الوطن، ولم يتوقّع مؤلفه، النقيب روجي دو ليل Rouget De Lisle أنه سيصبح النشيد الوطني لفرنسا والذي يعزف في كل أنحاء العالم. النشيد الوطني الفرنسي لامارسييز تم اعتماده بشكل مطلق في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة وخصوصا عند تخليد الذكرى المئوية للثورة الفرنسية.

أما عن المسلة المصرية بميدان الكونكورد بفرنسا، فقد أهدى محمد علي باشا (1769-1849)، حاكم مصر آنذاك، مسلة الأقصر لملك فرنسا لوي فيليب الأول (1773-1850). ولا تزال تلك الهدية، التي جاءت تكريما لجهود العالم الفرنسي جان-فرانسوان شامبليون (1790-1832) في معرفة أسرار الكتابة المصرية القديمة، تزين ميدان الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية باريس حتى الآن.  يعود تاريخ المسلة المصرية، إلى عصر الملك رمسيس الثاني، أشهر ملوك الأسرة التاسعة عشر، والذي أمر ببناء مسلتين أمام معبد الأقصر تخليدا لانتصاراته في حملات عسكرية حمت أرض مصر من اعتداءات أجنبية.

بفضل، قضائي عدة سنوات في فرنسا، ومعرفتي بشعبها وتعايشي معهم، أكاد أن أجزم، أن برغم بعض الاختلافات الحياتية، يمكننا أن نؤكد أن البلدين يتشاركان في الفكر الحضاري، حب العلم، تقبل واحترام الآخر. وعند سيري في هذه المنطقة بباريس، أتشمم عبق التاريخ، خصوصاً لإدراك مدى محافظة الفرنسيين على إرثهم التاريخي وتطويعه مع الحداثة وخدمة الحياة اليومية دون محوه تماماً من أجل الحداثة. وحيت استفسرت أدركت أنه ما يعرف بترميم الآثار. 

 إن لوجود مثل هذه المسلة المصرية في أهم ميادين الدولة الفرنسية إنما يدل على مدى عمق العلاقات المصرية الفرنسية والتي كانت ومازالت جيدة، خصوصاً وأن لوجود مثل هذه المسلة رمزية شديدة يوضح مدى احترام الدولتين للحضارة الإنسانية. 

وقد شاهدت وعايشت ذلك بالفعل، حين نتكلم مع أي وكل فرنسي، يحلم بزيارة مصر، خصوصاً وأن المناهج الدراسية في فرنسا يعمل على تدريس أصل الحضارة للمرحلة الإعدادية لكل الطلاب، ويكون ذلك مروراً بالحضارة المصرية القديمة. فيمكن القول أن ٩ أشخاص أو ٨ من أصل ١٠ فرنسيين يحلمون بزيارة مصر. فهذه الحضارة تعطي شعوبها القوة، والغنى، والقدرة على التحمل، التغيير والتجديد. 

لاسيما وأن تاريخ التعاون المصري الفرنسي في المجال القانوني وتأصيل الفكري، كان بفضل العلامة السنهوري، والذي أثر في الفكر القانوني المصري على خطى الحضارة القانونية الفرنسية.

مدرس القانون بكلية الحقوق-جامعة عين شمس

للتواصل  [email protected]

ذات علاقة

تم نسخ الرابط