لا شك أن بناء الأمم والحضارات يقوم أولا على بناء الإنسان، ومن هذا المنطلق جاء خطاب التكليف الرئاسي للحكومة الجديدة متضمنا الاهتمام ببناء الإنسان المصرى فكرا وسلوكا، ولا أحد ينكر أننا في حاجة دائمة إلى إبراز القيم والأخلاق والمبادئ السامية، والتوعية الدائمة بصحيح الدين وإيضاح جانب اليسر والسماحة في الشريعة الغراء ونبذ كل ألوان التشدد والمغالاة، والقدوة الحسنة هي أحد الركائز الأساسية في بناء الإنسان والمجتمع، والرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما هاجر إلى المدينة قام ببناء المسجد لبناء الإنسان روحيا وسلوكيا، فالقرآن المكي أكد على جانب العقيدة للبناء العقدي للإنسان حتى يستطيع مواجهة الحياة وفق مبادئ إيمانية ترسخ فيه القيم والفضيلة والدعوة إلى الخير وتحمل المشاق في سبيل تحقيق ذلك، ولتحقيق هذا الهدف المنشود لابد وأن تتحرك القوى وتتوحد الجهود، وبناء الحضارة يبدأ أيضا ببناء الإنسان الصالح اليقظ لمصلحة وطنه والخائف على تراب بلده من الطامعين، ومن المترصدين له بخبائث الأفكار، والدعوات الشيطانية لهدم الدولة.
اليسر والسماحة في الشريعة
ولا بد من تجلية جانب اليسر والسماحة في الشريعة الغراء، ومن ثم التعامل مع أحكامها في ضوء المقاصد العليا والكلية لديننا الحنيف، ونبذ كل ألوان التشدد، والمغالاة والتنطع الذي ينافي روح الدين وسماحته، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"، وقال أيضًا: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين"، وقال أيضًا: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" ، وقال أيضًا: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثًا، وقال أيضًا: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا.."، وإن جميع العبادات تقوم على مبدأ اليسر والتسهيل على الناس، وقد ميز الله تعالى أمة الإسلام عن غيرها من الأمم بيسر العبادات فقد قال الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام : "عليكم بما تطيقون فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا"، ويسر العبادة يخفف على الناس المشقة ويجعل أداء العبادة سهلا وميسورا.
القدوة الحسنة
والقدوة الحسنة هى أحد ركائز بناء المجتمع، وهي عامل التحول السريع الفعال، فالقدوة عنصر مهم في كل مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين فهم في أمس الحاجة للاقتداء بالنماذج الحية، كيف لا وقد أمر الله نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالاقتداء، فقال: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ"، وتشتد الحاجة إلى القدوة الحسنة كلما بعد الناس عن قيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، كما أن الله - عز وجل - حذَّر من مخالفة القول للفعل الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".
وقد قامت وزارة الأوقاف بدور مهم وجهود معتبرة فى هذا الصدد، فى عهد وزيرها السابق الدكتور محمد مختار جمعة، الذى أكد فى أكثر من لقاء أن هذا الموضوع أحد أهم محاور عمل الوزارة، وقد كان لعقيدتى إسهام بارز فى تجلية بعض جوانب عظمة الإسلام فى بناء الإنسان، من خلال الموضوعات التى تتناولها على مدى تاريخها الطويل، وكذلك من خلال الندوات المشتركة مع وزارة الأوقاف التى تجوب أرجاء مصر، ونرجو أن يستمر هذا التعاون المثمر البناء بين وزارة الأوقاف وجريدة عقيدتي، فى عهد الوزير الهمام الدكتور أسامة الأزهرى، الذى يدرك أهمية هذا التكليف الرئاسي بإعادة صياغة الشخصية المصرية على أسس من الأخلاق القويمة والسلوكيات الحسنة.