الخميس 19 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

رغم سخونة الأجواء، وارتفاع درجات الحرارة، والتململ من الرطوبة العالية التي جعلت الجميع يئن من لهيبها إلا إن الحديث عن تكاليف الزواج، وتجهيز عش الزوجية في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة أصبح أكثر سخونة من الأجواء الصيفية التي يكتوي  بنارها الجميع، بعدما أثار هذا الأمر اهتمام الكثير من الشباب، وأحاطه سياج  من الجدل والنقاش في ظل الارتفاع غير المعقول في أسعار الذهب، والعقارات، والأدوات المنزلية، والأجهزة الكهربائية، والأثاث، والمفروشات، وكل ما له صلة بتجهيزات الزواج وبناء عش الزوجية، والذي أصبح من الأمور التي تحتاج إلي حلول عاجلة، ورؤية واضحة، وثقافة واعية ترغب الشباب في الإقبال علي الزواج، وتسهم في حل مشكلة العنوسة والعزوف عن الزواج التي انتشرت بين طبقات المجتمع  بشكل كبير، والتي  صنعناها بأيدينا لتشكل حجر عثرة أمام  المقبلين علي الزواج، الباحثين عن بناء أسرة مستقرة تعيش في كنف المحبة والمودة والرحمة.
وللحديث عن هذا الموضوع لابد من وضع إطار عام ونقاط ارتكاز ينبني عليها حديثنا.
أولا:
الزواج قوامه المودة والرحمة، وهو رباط واتصال ووشيجة تقارب بين أسرتين أو عائلتين كريمتين، ولن تتحقق هذه المودة وهذا الرباط الأسري بعدما أصبح أمر الزوج مقيدا بشروط ومكبلا بأغلال تخنق الفريقين، وكأنهما يبرمان صفقة بين طرفين، كل منهما يسعي لاغتنام أكبر المكاسب علي حساب الآخر، علي خلاف الزواج الصحيح  الذي يتشكل قوامه  عبر أواصر الثقة والتعاون والتراحم.
ثانيا:
الزواج مبناه علي الاستطاعة، والسعادة الزوجية، واستقرار الأسرة، واستمرار سفينة الحياة الزوجية ووصولها لبر الأمان لا يرتبط بالتجهيزات المادية للزواج ووفرتها،  فأقل الزيجات مهورا أكثرهن بركة.
ثالثا:
التقليد الأعمي والمباهاة والتفاخر والتكلف من أهم الأسباب التي تؤصل لحياة زوجية غير مستقرة؛ لأن البيوت قوامها المحبة والمودة وتحمل الظروف التي تمر بها الأسرة، والتي تتبدل من حسن إلي سيء ومن سيء إلي حسن، والزواج الناجح هو الذي يتعايش أطرافه مع الواقع بعيدا عن الأحلام التي تكلف الجميع فوق ما يطيقون، وتكبد الجميع خسارة فادحة قد تؤدي إلي هدم المعبد علي أصحابه، وظهور المشكلات الزوجية التي لا تنتهي.
رابعا:
الزواج الناجح يرتكز علي "الوعي" ، وعي الزوج بكيفية إدارة حياته، ووعي الزوجة بكيفية التأقلم مع ظروف الزوج، ووعي الأهل والأقارب بالأمور التي تجعل الحياة الزوجية مستقرة هادئة؛ وعندما يعرف كل طرف دوره، ويعي عوامل النجاح ستنحل عقدا كثيرة أصبحت معضلة كبري تهدم البيوت، وتنغص الحياة علي الجميع.
خامسا:
الزواج الناجح مصدره "الثقة" ثقة الزوجة  في نفسها وأنها غنية بأخلاقها وأدبها وعلمها  لا بما تجلبه من متاع وأجهزة قد لا تحتاج إليها، وثقة الزوج في نفسه، وعدم التكلف في تجهيز بيت الزوجية، وإقامة العرس، وثقة الأسرتين الكريمتين في بعضهما، لأن كلا منهما سلم للآخر أغلي ما عنده، وهذا مما لا يقدر بمال ولا متاع.
سادسا:
الزواج الناجح "قرار" متي أتزوج؟، وكيف أتزوج؟، ومن الذي الذي أستكمل معه حياتي؟، ومن الأسرة التي أرتبط بها؟
وما الحياة التي أريدها بعد الزواج؟
هل حياة مكبلة بالديون، أم حياة هادئة مستقرة يبنيها الزوجين خطوة بخطوة، ويدا بيد، حتي يكتمل البناء، وتعيش الأسرة هدوء واستقرار.
وختاما فإن أمر تكاليف الزواج وبناء الأسرة يحتاج إلي تأمل وتفكر وروية وإمعان نظر، ووضع حلول جذرية ورؤي واقعية يشارك فيها الجميع لتنعم الأسرة بحياة مستقرة لا تنغصها الريبة والشك، ولا تكبلها الديون المستقبلية، ولا تعتريها المظاهر الكاذبة التي تحولت لظاهرة مجتمعية قد تجعل البعض يحجم عن الزواج، وفي هذا من الخطر ما فيه.
أسأل الله أن يوفق شباب اليوم لبناء أسرة صالحة، وحياة زوجية هانئة ملؤها المودة والرحمة والثقة والوعي واتخاذ القرار الصائب، والوصول بسفينة الزواج لبر الأمان.
وللحديث بقية؛ إذا كان في العمر بقية.

تم نسخ الرابط