الخميس 19 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

عندما نغوص في أعماق الماضي التليد، ونقلب في صفحات التاريخ العتيد، ونعود بمخيلتنا لأيامنا الخوالي في عصرها المجيد، ونستدعي شريط الذكريات لما مضي من حلو الأيام والليالي والعيش السعيد، ونعود بذاكرتنا للوراء قليلا دون أن نبالغ أو نغالي أو نزيد،  نجد بونا شائعا وفرقا هائلا بين إعلام الأمس وإعلام اليوم، بين أقلام الأمس وأقلام اليوم، بين إعلام الصحف والراديو والتليفزيون والإعلام الرقمي بمضامينه الضخمة وأدواته المتعددة، وتقنياته الرائدة...نلحظ اختلافا جذريا في المضامين الإعلامية التي كانت ملء السمع والبصر في وقت من الأوقات، وكان مقدموها " علامة فارقة"  في سماء الصحافة والإعلام رغم محدودية الصحف والمحطات الإذاعية والقنوات ، وبين مقدمي المحتوي الرقمي اليوم، ومضمونه الذي لا يرقي للمتابعة ، وأن نرهق أنفسنا بالنقرات تلو النقرات، بل يصيبه العطب والتلف بعد دقائق معدودات، وربما بعد لحظات؛ ليحل محله مضمونا آخر متشربا خصائصه وصفاته التي جعلته خاويا ليس له علاقة بحدث أو قضية أو موضوع من الموضوعات، ولا يحمل بين فقراته فائدة تعود بالنفع علي المستخدمين من أصحاب الصولات الإلكترونية والجولات.
في عصر الإعلام التقليدي وفي خضم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ارتبطت الجماهير بنماذج صحفية وإذاعية فذة امتلكت الموهبة والعلم  والفكر والقدرة علي التأثير في الجمهور، وتركت بصمة واضحة في رقي الفكر وعبقرية الأداء، ورجاحة العقل المتقد البناء.
كان المحتوي الإعلامي بمثابة إفطار شهي، يستيقظ المرء في الصباح منتظرا جريدته المفضلة ليقرأ مقالا صحفيا لأحد الكتاب المؤثرين، وأصحاب الأقلام من  الناقدين والكتاب والمفكرين.. وهناك من ينتظر وقت المساء ليتابع بانبهار برنامجا تليفزيونيا، ليمتع ناظريه، ويطرب أذنيه بالإلقاء الرشيق والمظهر الأنيق لأحد مقدمي البرامج التليفزيونية الذي يمتلك الكاريزما، والمهارات الفنية والصوت الرقيق، وقوة الكلمة التي تذكرنا بالزمن العتيق .. وفي إشراقات الصباح هناك من يضع الراديو علي أذنيه، ويتنقل بين موجة وأخري ليجد ضالته في أحد المذيعين الذين يقدمون وجبة إعلامية كاملة الدسم، تجعل المستمع يعيش أجواء الحدث في ظل قدرة غريبة علي الأداء، وإشغال العقل بالتدبر والتأمل والإصغاء.
أما عصرنا الحالي، فرغم تنوع وسائل إعلامه، وتعدد منصاته ووسائطه الرقمية وامتلاك زمامه؛ فإنه من الملفت للنظر أن بعض المحتويات ـ أو جلها - لا تجد طريقها للقبول لدي المتلقين، أو الذيوع والانتشار بين جمهور المشاهدين والمستمعين، ولا تحظي بالتفاعل من قبل الرواد والمستخدمين... وقد يجد "صانع المحتوي" نفسه أمام معضلة كبري وإشكالية بالغة، عصية علي التوصل لمفاتيحها، ومعرفة الحلول الناجزة لتداعياتها وأسبابها، وذلك عندما يقوم بالنشر فيجد صفحته علي مواقع التواصل خاوية علي عروشها.
وتزداد هذه المعضلة،  وتتفاقم هذه الإشكالية  عندما يصاب صانع المحتوي بفوبيا النشر الرقمي علي مواقع التواصل الاجتماعي علي الرغم من محدودية التفاعل مع هذا المحتوي، أو عدم الالتفات لمضمونه من قبل المستخدمين.
وإليك عزيزي الحل الأمثل لهذه المعضلة وتلك الإشكالية التي يعاني منها جمع غفير من ناشري المحتوي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

عزيزي القاريء...دون إغراق في جوانب علمية ومنهجية ونفسية واجتماعية ومهنية ترتبط بهذا الأمر ..أضع بين يديك مؤشرات ومقومات  فارقة تحي الأمل في متابعة مضمونك الرقمي من قبل الحشود الجماهيرية الشاردة والآبقة.
ومن بين هذه المؤشرات:-
١_ لابد أن يحقق المحتوي فائدة لجمهور المتلقين، وإلا ضاع وقته سدي في خضم مئات الآلاف من المحتويات التي تحيط به ليل نهار. فلابد أن يضيف المحتوي معلومة جديدة، أو ينمي معارف الجمهور تجاه قضية معينة، أو يضفي قدرا من المتعة والتسلية لجمهور المستخدمين، وقد يكسبه مهارة، أو يساعده في اختيار سلعة أو فكرة ما عبر التعرض للمحتويات النافعة والمضامين.
٢_ لابد أن يكون المحتوي نابعا من اهتمامات الجمهور وتفضيلاته، وأن يرتبط بالقضايا التي تمس شئون حياته، أو تؤثر في أفكاره ومعتقداته ليزداد اهتمامه به في أنسه وخلواته.
٣_ ينبغي أن يتخير "صانع المحتوي" الوقت المناسب لنشر محتواه علي شبكة الإنترنت ليظفر بمتابعة مكثفة من قبل الجمهور، وينتشر المحتوي عبر الفضاء الإلكتروني الفسيح.
٤_ علي "صانع المحتوي" أن يتخير اللغة التي تناسب جمهوره، وأن تكون له بصمة ذاتية في التعبير عن المحتوي تميزه عن غيره من صناع المحتوي، بعيدا عن الإسفاف والابتذال الذي يحرق صاحبه ويضعه في هوة سحيقة لا يمكنه الفكاك منها كالذي يسبح في بحر هائج ملؤه الأمواج الغريقة.
٥_ ينبغي أن يكون "صانع المحتوي" أكثر تركيزا علي شكل المحتوي الذي يقوم بنشره، وأن يكون النشر عبر قوالب وأشكال فنية متعددة، معتمدا علي الوسائط المتعدده ليلقي رواجا لدي الجمهور، ويحظي بالتفاعل المأمول، ويصبح ضمن المحتوي ذائع الصيت والمشهور.
٦_ مكانة "صانع المحتوي" لها دور كبير في تعرض الجمهور للمحتوي الذي يطرحه، وكلما كانت مكانته الاجتماعية في أفضل حال كلما ترقب الجمهور ما ينشره، وسعي لمعرفة ما يكتب وما يقول في غالب الأحوال.
٧_ استحواذ "صانع المحتوي" علي ثقة الجمهور من أبرز العوامل التي تجعل المحتوي أكثر شيوعا وانتشارا.د وظهور.
٨- مصداقية المحتوي ترتبط ارتباطا وثيقا بمصداقية "صانع المحتوي" فكن حريصا علي ألا تفقد مصداقيتك من خلال نشر المحتوي غير الحقيقي أو غير الدقيق فتصبح تائها في مواقع الإنترنت دونما صاحب أو رفيق.
٩_ القدرة علي التعبير، واللغة البسيطة والسلسة، والتوجه نحو المضمون بشكل مباشر ، وامتلاك مهارة عرض الفكرة في تسلسل منطقي عوامل مهمة لإحداث التأثير الفعال في الجمهور ، وكسب المزيد من التفاعل الذي يعتبره البعض من أكبر المكاسب ومن أغلي المهور.
وفي الختام فلابد من وجبات إعلامية رقمية دسمة تخاطب الجمهور، وتعبر عن الفكرة في صورة أو ومضة لا تزيد عن سطور ، وأن يستمر أثرها ليظل عالقا في الأذهان، ومحركات للوجدان لدهور تلو الدهور.

تم نسخ الرابط