تؤدي السينما دورًا مهما في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على المجتمعات، من خلال الأفلام التي تقدمها، فالسينما ليست مجرد وسيلة للترفيه فقط أو لجمع الإيرادات من شباك التذاكر؛ بل يمكن أن تناقش العديد من القضايا التي تؤرق المجتمعات وتنغص عليها حياتها؛ وبالتالي تصبح السينما أداة قوية للتغيير الاجتماعي نحو الأفضل حيث يمكنها أن تفتح الأذهان وتغير الأفكار والمواقف تجاه القضايا المختلفة من خلال تصوير معاناة الأفراد والمجتمعات؛ وهنا تثير التعاطف وتدفع الجمهور والحكومات للتفكير في الحلول الممكنة لتسن القوانين ولتحفظ الحقوق وتعرف بالواجبات وتعين الضعفاء وتقتص من الآثمين.
وهنا نجد أنفسنا تجاه عمل سينمائي هندي ترندي بالدرجة الأولي، يتحدث عنه الشرق والغرب، فيلم " حياة الماعز" الذي يروي قصة الشاب نجيب، شاب هندي فقير يسافر إلى إحدى دول الخليج بحثًا عن فرصة عمل أفضل وحياة أفضل، وعقب وصوله يجد نفسه في ظروف قاسية حيث يُجبر على العمل كراعٍ للغنم في الصحراء تحت ظروف غير إنسانية، الفيلم يعرض مآسي الغربة والعبودية الحديثة التي يعاني منها بعض العمال المهاجرين في دول الخليج، من خلال سرد مؤثر ومشاهد واقعية، ينجح الفيلم في نقل معاناة نجيب والعديد من العمال الآخرين الذين يواجهون تحديات مشابهة.
ولكن من المهم أن نلاحظ أن فيلم "حياة الماعز" أمعن في إبراز جوانب الشقاء التي يتعرض لها المغتربون، وركز على السلبيات بشكل عنيف مع استخدام كافة الأدوات السينمائية لتوصيل رسالته – التي نجح فيها بالفعل- ولكن أغفل الفيلم العديد من الإيجابيات في المجتمعات العربية؛ وبالتالي فلا يعكس بالضرورة الواقع كله في هذه الدول، فإن هناك العديد من العمال الذين يعيشون ويعملون في ظروف جيدة ويحظون بمعاملة حسنة، وفرت لهم سبل العيش الكريم وجني العديد من الأموال، وهذا لا ينكره أحد، كذلك تقوم دول الخليج من حين لآخر بإصلاحات كبيرة في نظام الكفالة لتحسين أوضاع العمال المهاجرين، وهذه الجهود يجب أن تُذكر أيضًا، من خلال تقديم صورة متوازنة، يمكننا من خلالها فهم التحديات والإنجازات على حد سواء.
في ظني أنه لن تجد عملا سينمائيا يظهر الحقيقة كاملة بجوانبها كافة، فالعمل الدرامي يختلف تمام الاختلاف عن العمل الوثائقي؛ ولكن العمل السينمائي تركيزه على الزواية التي أنتج من أجلها، وإذا وصلت الفكرة إلي المشاهد فلا تلومن على العمل أنه أغفل أو قصر أشياء أخرى، ولكن عليك تعديل المعوج وتحسين القبيح وإزالة التراب عن الأعين لترى الحياة بشكل أفضل، وإن كان الأفضل في الأعمال السينمائية هو ترك جانب مضيء وسط الظلام الحاكل يتلمس بها المشاهد الطريق نحو الأفضل بدلا من النظر من زواية واحدة إلى عالم كبير يحتاج إلى أعين كثيرة لنراه من خلالها.