الإثنين 16 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

**كان‭ ‬والدى‭ ‬الغالي‭- ‬المرحوم‭ ‬باذن‭ ‬الله‭- ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الصالحين‭.. ‬المؤمنين‭ ‬بقيمة‭ ‬العمل‭ ‬الشريف‭.. ‬والساعين‭ ‬إلى‭ ‬الرزق‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬الواسعة‭.. ‬يبذلون‭ ‬جهد‭ ‬الاستطاعة‭ ‬فى‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الأسرة‭ ‬والأبناء‭.. ‬وكان‭ ‬أبى‭ ‬مسئولا‭ ‬عن‭ ‬اطعام‭ ‬تسع‭ ‬أفواه‭.. ‬أنا‭ ‬أكبرهم‭.. ‬وتوفير‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬الحياة‭.. ‬يساعدهم‭ ‬فى‭ ‬اتفاق‭ ‬غير‭ ‬مكتوب‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬الذى‭ ‬اختاره‭ ‬كل‭ ‬منهم‭.. ‬بشرط‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭.. ‬فى‭ ‬المذاكرة‭ ‬وإدراك‭ ‬النجاح‭.. ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬أبداً‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭.. ‬أو‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭.. ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬مدرسا‭ ‬بمعهد‭ ‬تحفيظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ (‬المعهد‭ ‬الدينى‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭) ‬وكان‭ ‬يمكنه‭ ‬ان‭ ‬يطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬ويحصل‭ ‬عليها‭ ‬بأريحية‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬وأصدقائه‭.. ‬المدرسين‭.‬
**استطاع‭ ‬أبى‭ ‬باجتهاده‭ ‬واخلاصه‭ ‬وحبه‭ ‬لعمله‭.. ‬ان‭ ‬يصبح‭ ‬سكرتيرا‭ ‬للمعهد‭ ‬بجانب‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لتحفيظ‭ ‬الطلاب‭ ‬الذكر‭ ‬الحكيم‭.. ‬وخدم‭ ‬قبل‭ ‬المعاش‭ ‬بسنوات‭ ‬ليست‭ ‬قليلة‭ ‬شيخا‭ ‬للمعهد‭.. ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬معجزاته‭ ‬ان‭ ‬صمم‭ ‬النعش‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة‭.. ‬إلى‭ ‬المعهد‭.. ‬ليخرج‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭.. ‬المثوى‭ ‬الأخير‭.‬
لكى‭ ‬يسد‭ ‬أبى‭ ‬الأفواه‭ ‬المسئولة‭ ‬منه‭.. ‬والتى‭ ‬وصفها‭ ‬فى‭ ‬ساعة‭ ‬صفا‭ ‬بالعمارات‭ ‬التسع‭.. ‬ينافس‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬أعمال‭ ‬جانبيه‭ ‬ومتعددة‭.. ‬مثل‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬والامساك‭ ‬بدفاتر‭ ‬ورشة‭ ‬للبلاط‭.. ‬وامتلك‭ ‬دائرة‭ ‬معارف‭ ‬واسعة‭.. ‬بالعمل‭ ‬ليلا‭ ‬مع‭ ‬المأذون‭ ‬الشرعى‭ ‬للزيتون‭ ‬ثم‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‭.. ‬كاتبا‭ ‬للعقود‭ ‬ومساعدا‭ ‬لهما‭ ‬يحمل‭ ‬الدفاتر‭ ‬أثناء‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬عقد‭ ‬القران‭.‬
**ولأنه‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬أصحبه‭ ‬فى‭ ‬هذين‭ ‬المكتبين‭.. ‬حاملا‭ ‬كتبى‭ ‬وكراساتى‭ ‬للمذاكرة‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬هادئ‭ ‬ومنير‭.. ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬وعلمت‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬خاليا‭ ‬الوفاض‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬المأذون‭.. ‬من‭ ‬نصيبه‭ ‬أحيانا‭ ‬المنديل‭ ‬الأبيض‭ ‬المغطى‭ ‬لمصافحة‭ ‬العريس‭ ‬ووالد‭ ‬العروس‭.. ‬وعلبة‭ ‬الحلوى‭ ‬المعدنية‭ ‬أو‭ ‬الخزفية‭ ‬التى‭ ‬توزع‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬القران‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬مصحف‭ ‬شريف‭.. ‬فى‭ ‬طبعة‭ ‬حديثة‭ ‬لمباركة‭ ‬الزواج‭.. ‬وربما‭ ‬عاد‭ ‬باكرامية‭ ‬رمزية‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭.. ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬عندها‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬محل‭ ‬فاكهة‭ ‬مفتوح‭ ‬الأبواب‭.. ‬لشراء‭ ‬فاكهة‭ ‬الموسم‭ ‬للأبناء‭.‬
**وأثناء‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬منزلنا‭ ‬فى‭ ‬شارع‭ ‬ماهر‭ ‬بالمطرية‭ ‬فيما‭ ‬أذكر‭.. ‬مارين‭ ‬على‭ ‬مقابر‭ ‬تم‭ ‬إزالتها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.. ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مساكن‭ ‬شعبية‭ ‬حديثة‭.. ‬مليئة‭ ‬بالحياة‭.. ‬كان‭ ‬أبى‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬تفريغ‭ ‬ملاحظاته‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يراه‭.. ‬لي‭.. ‬وكأنه‭ ‬يتحدث‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭.. ‬وكان‭ ‬حريصا‭ ‬ان‭ ‬يصل‭ ‬بالملاحظة‭ ‬إلى‭ ‬النهاية‭.. ‬ويضع‭ ‬لها‭ ‬الحل‭ ‬المناسب‭.. ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭.. ‬بين‭ ‬طرفى‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬الأسرتين‭.. ‬وبحكم‭ ‬ثقافته‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬البساطة‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬التبذير‭.. ‬وكيف‭ ‬ان‭ ‬العروسين‭ ‬لن‭ ‬يستفيدا‭ ‬من‭ ‬فرح‭ ‬بهيج‭.. ‬بل‭ ‬يحتاجان‭ ‬إلى‭ ‬تفاهم‭ ‬رشيد‭.‬
**واليوم‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬مرت‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الطويلة‭ ‬أجدنى‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أبى‭ ‬وكيف‭ ‬تشكلت‭ ‬فى‭ ‬وجدانه‭.. ‬سلوكا‭ ‬مجتمعيا‭ ‬راقيا‭.. ‬وبسيطا‭ ‬عند‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬حالات‭ ‬الزواج‭ ‬فى‭ ‬أسرتنا‭ ‬الصغيرة‭.. ‬شباب‭ ‬وفتيات‭ ‬وكيف‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬الاختيار‭ ‬والسيرة‭ ‬الطيبة‭.. ‬والطلبات‭ ‬المعقولة‭ ‬الكافية‭.. ‬لبداية‭ ‬سعيدة‭ ‬بسيطة‭ ‬لحياة‭ ‬زوجية‭ ‬ممتدة‭.. ‬باذن‭ ‬الله‭.. ‬بل‭ ‬حرص‭ ‬ان‭ ‬يفعل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقول‭.. ‬فقام‭ ‬ببذل‭ ‬الجهد‭ ‬المشكور‭.. ‬لتكون‭ ‬بيوتنا‭ ‬الجديدة‭.. ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الكبير‭.. ‬ساعده‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬صداقته‭ ‬الممتدة‭ ‬لمعظم‭ ‬سكان‭ ‬الحي‭.. ‬الذى‭ ‬مازلت‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬فيه‭.. ‬ما‭ ‬بقى‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬باذن‭ ‬الله‭.‬
**واسأل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة‭ ‬لأبى‭ ‬المكافح‭.. ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬شاكلته‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬وان‭ ‬تكون‭ ‬الجنة‭ ‬سكنهم‭ ‬يوم‭ ‬البعث‭ ‬العظيم‭.. ‬أمين‭.‬

تم نسخ الرابط