ads
الجمعة 15 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

لا يستطيع عقلي أن يتخيل كيف مرت علينا مناسبة من أهم المناسبات المصرية والعربية والقومية في عصرنا الحديث، وهي احتفالنا بانتصارات السادس أكتوبر المجيدة، ونحن غرقي في بحر الترند على مواقع التواصل الاجتماعي، ونفاجأ في هذا اليوم المبارك الذي هو يوم من أيام الله المباركة على أمتنا بأن الجميع -إعلاما وجمهورا- لا يشغلهم شاغل إلا بيع مطعم من المطاعم الشهيرة، قد غطت أخباره على أخبار الانتصار، وعلت روائح الأكل على رائحة دماء الشهداء، وأنهالت علينا  الأخبار التقارير والبثوث المباشرة لصاحب المطعم لدرجة أنستنا العبور العظيم لقواتنا المسلحة، حتى وقعنا بما لا يدع مجالًا للشك في فخ الترند، ومستنقع المحتوى الرائج الذي بات يمسح ذاكرتنا الجمعية شيئا فشيئا في مقابل المشاهدات والأرباح.
والترند أو المحتوى الرائج ظاهرة اجتماعية حديثة، فرضت نفسها بقوة في عصر الإعلام الرقمي، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد تأثيرها في تشكيل الرأي العام، أصبحت الأحداث التي تثير انتباه المستخدمين وتلقى تفاعلًا واسعًا تُسمى "ترند"، ومع ذلك، يواجه المجتمع مشكلة كبيرة مع هذه الظاهرة، وهي أن الترند غالبًا ما يطغى على القضايا الأكثر أهمية، خاصة تلك المتعلقة بالمناسبات القومية والوطنية والدينية أو الأحداث ذات القيمة الثقافية والتاريخية، والتي ينتظرها بالكثير من القائمين على التعليم و الإعلام والثقافة والتربية بالتذكير بها وجعلها مناسبة لأخذ العبر والعظات، والوقوف عندها لنتعلم من دروس الماضي لاتخاذ ما يلزم من قرارات في المستقبل.

والإشكالية هنا عندما تقترب المناسبات القومية المهمة، مثل الاحتفالات أو الأعياد الوطنية والمناسبات الدينية، قد يجد المتابعون أنفسهم منشغلين بمواضيع أخرى بدأت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكون هذا الترند موضوعًا تافها غير ذي أهمية على الإطلاق، أو حتى موضوعًا ترفيهيًا بحتًا، لكن اهتمام الناس به يكون أكبر بكثير مقارنة بالمناسبات الرسمية أو القضايا الوطنية، نتيجة لذلك، تُهمَل المناسبات التي تحمل قيمة تاريخية أو رمزية كبيرة لصالح قضايا قد تكون لحظية وذات تأثير مؤقت.

ولا شك أن وسائل الإعلام تؤدي دورًا مهما في تعزيز هذه الظاهرة، حيث تعتمد على الترند لجذب المشاهدات والإعلانات، وبما أن الاهتمام بالترند يعني زيادة التفاعل، فإن وسائل الإعلام غالبًا ما تركز عليه بدلاً من تغطية الأحداث الأكثر أهمية، هذا يزيد من تعقيد المشكلة، إذ يصبح الناس أسرى لما يفرضه الترند، ويتجاهلون المواضيع التي قد تكون أكثر تأثيرًا على حياتهم ومستقبلهم، وقد تعرضت أمس لمئات الأخبار على مجموعات الواتس الخاصة بالصحف، -جميعا إلا ما رحم- لا يشغله شاغل إلا المطعم الفلاني ومن اشتراه، ومن أكل منه ومن أكل فيه، ولا حديث يعلوا على المطعم وصاحب المطعم.

ولا أجد حلا لهذه الظاهرة الخاصة بتأثير الترند على المناسبات القومية والقضايا الجوهرية، إلا بالوعي المجتمعي بأهمية الأحداث الوطنية والثقافية والدينية، فعلى المجتمع أن يدرك أن الترند ليس دائمًا هو المقياس الحقيقي للأهمية، أيضًا لابد لوسائل الإعلام أن تؤدي دورًا إيجابيًا من خلال التركيز على التوعية ونشر المحتوى المفيد، بدلاً من الانخراط في سباق التفاعل والترند، كذلك يمكن أن يكون هناك دور للهيئات الحكومية والمنظمات الوطنية في إبراز أهمية هذه المناسبات عبر وسائل التواصل، بطريقة مبتكرة وجاذبة، تعيد توجيه انتباه الجمهور نحو القضايا المهمة، حتى لا نكون فريسة سهلة للترند ومع مرور الوقت تضيع هويتنا وثقافتنا ونجد أنفسنا أمام جيل لا يعبأ بتاريخ بلده ولا ثقافته ولا مناسبته المهمة ولا رموزه الملهمة، بل نجد أمامنا جيل منسلخ من هويته لا طعم له ولا قيمة ولا لون، ثم لن نجد له وزنا بين الأمم.

تم نسخ الرابط