يحي عطيف زميل سعودي، كان أستاذا في البلاغة والنقد في جامعة الملك خالد بأبها، عندما وفدت إليها معارا عام ٢٠٠٠م.
كان- رحمه الله- عالما جليلا، عاش للعلم، ومات وهو يطلبه، سكنت معه في بيته ثماني سنوات، فما رأيت منه إلا خيرا، كان على خلق لم أصادفه في أحد من أهل هذه البلد،فهو طيب المعشر ، جواد كريم، هادئ الطباع، لا تكاد تسمع له ولا لآل بيته صوتا إلا همسا، من حسن حظي أن أولاده كانوا في سن أولادي، فتآخوا فيما بينهم، وجذبوا معهم في تلك الأخوة الأمَّين فكانتا كالشقيقتين.
كنت في كل عام عندما أعود إلى هناك يصر إصرارا عجيبا أن يعطيني مبلغا حتى ينزل الراتب لأنه كان يعرف بأننا نعود من إجازتنا وقد صرفنا كل ما معنا- مع أنني كنت أحتفظ بما يكفيني حتى ينزل الراتب - لكن كنت أضطر أن أرضيه، فإذا ما نزل الراتب وأردت أن أرد له مبلغه يقسم أنه لن يأخذه إلا من بدل السكن فإذا نزل بدل السكن كنا ندفع أول دفعة من إيجار السنة، فإذا أردت أن أدفع له قرضه ودفعة الإيجار أخذ القرض ولم يأخذ دفعة الإيجار إلا بعدها بشهر أو شهرين، وكان دائما ينتهز المناسبات ليدعونا سواء في بيته في أبها، أو بيته في جيزان.
وأظنه أنه كان كذلك مع بعض الأخوة الذين كانوا يسكنون في الشقة المجاورة، ولما احتاج إلى الشقة بعدما كبر الأولاد وبدأ الخُطاب يتوافدون على بناته بلّٰغني بالأمر عن طريق زوجه التي بلغت زوجتي، وفي هذا العام الأخير معه رفض رفضا باتا أن يأخذ الإيجار، وقال في نهاية العام حينما أصررت على دفعه: أنتم كنتم في ضيافتي هذا العام ولا يصح للمضيف أن يتقاضى أجرا من ضيفه.
وعشنا على هذا الود والتواصل بعدما انتقلت إلى سكن آخر، وحتى بعد أن عدت إلى الوطن ظل هذا التواصل مستمرا.
ولكن فجأة انقطعت الاتصالات، وحاولت كثيرا، ولكن لم يكن ليجيبني أحد حتى سألت عنه بعض الأخوة المتعاقدين هناك، فنعوا إلي خبره، فكان خبرا حزينا، بكينا عليه أنا وأسرتي بكاء الشقيق على الشقيق.
ولا زلت أترحم عليه ولا أنسى ذكره.
فترحموا عليه معه.
اللهم اغفر وارحم عبدك يحي عطيف وأسكنه فسيح جناتك.
اللهم آمين يارب العالمين.