تعرضتُ مؤخرا لاختراق حسابي علي " فيسبوك" عن طريق (هاكر) لعين، وهو ما أسفر عن تعطل حسابي، وعجزي عن استعادته مرة أخرى، وحقا : رب ضارة نافعة، فخلال فترة محاولة استعادته، اكتشفت أن الصداقات خلاله صداقاتٌ وهمية، وأن عبارات الود والتملق بين الأصدقاء عبره ، ليست إلا نوعا من الغش والخداع، يُخالفُ مفهوم المحبة والتواد، الذي يجعل البشر كالجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضوٌ تداعت له سائرُ الأعضاء بالسهر والحمى.
إذ لا تزيد العلاقة بين من تربطهم تلك الوسيلة - خاصة إن لم تكن بينهم صلة وثيقة تسبق صداقة الفيسبوك - علي كونها مجرد بيوت من رمل، تتهدم بمجرد أن تصل إليها مياه البحر في نوبة مدّه !
استمر انقطاع صلتي بالفيسبوك عدة أيام، ولم أظفر إلا ببحثِ عدد قليل ممن صادقت؛ للاطمئنان علي أخباري، ومعرفة سبب غيابي، مع دعائهم الصادق بأن يكون المانعُ خيرا .
ومن محاولات تحسس أخباري، محاولةُ الأديبة الراقية عبلة المُنيف سليلة بيت العلم والأدب، التي كان ومازال، وسيظل أدبُ عمها الروائي الكبير د. عبد الرحمن المُنيف بُغيةَ الباحثين عن الأدب الجاد الضارب بجذوره في بطون الحرفية والإبداع، إذ يُعدُ المنيف أشهرَ رواة الجزيرة العربية، وأحدَ أعمدة السرد العربي البارزة في العصر الحديث، يؤكد ذلك أعماله الروائية المتميزة: مُدن الملح، وأسماء مُستعارة، وأرض السواد، وعالم بلا خرائط، وغيرها الكثير الماتع، وربما سنحت فرصة لاحقة؛ لنغوص في عالم ذلك الأديب الفذّ .
قطعا ربما كانت هناك محاولاتٌ أخري للاطمئنان عليَّ من أصدقاء مضتْ علي صداقتي بهم سنوات، ولكني لم أعلم عنها شيئا، وحتى يتضح الأمرُ، دعوني أؤكد أن هذه التجربة جعلتني لا أعولُ كثيرا علي صداقات الفيسبوك، ولا أسعدُ بكلمات المدح، أو أحزنُ لكلمات الذم والعتاب، من أصدقاء، ضربت بيني وبينهم أسوار الحجب والبُعد والضبابية، التي تُخفي معالم وطباع وأخلاقيات كل طرف .
فاللافت أن بعضا - إن لم يكن كثيرا - من صداقات الفيسبوك، تقوم علي الغش والتضليل والخداع، وتجميل الصورة، التي تكون أبعد ما تكون عن الحقيقة، ولا أقصد الصداقات التي تنشأ بين أشخاصٍ يتلاقون في الفكر والثقافة والعلم، بل أقصدُ الصداقات التي تقوم بدافع الشهوة الرخيصة، فتنشد أغراضا دنيئة بين جنسين مُختلفين، يزعمُ فيها كلُ طرف أنه مَلَكٌ مُطهرٌ، وهو في حقيقته شيطانٌ رجيم .
نماذجُ هذه الصداقات محل النقد أكثرُ من أن تُعد، وأصعبُ من أن تُحصي، منها علي سبيل المثال لا الحصر حرصُ بعضٍ من النساء ممن لَحب منهن الجنبان، واحدودب الظهرُ، علي صداقة شباب أصغر من أحفادهن، وتبادل كلمات الحب والهيام؛ اعتمادا علي عدم توافر الرؤية، التي إن حدثت، كُشف المستور، وصارت فضيحة الكذَّاب (علي عينك يا تاجر) .
ومنها تصابي من هو طاعنٌ في السن، وحرصُه علي صداقة فتيات في شرخ الشباب، دون إخطارهن بعمره الحقيقي، والذي لو عرفنه، أيقنّ أنه نَسِيه الموتُ .
ومنها صداقاتُ أجناس مُختلفة، يتسلل من خلالها كلُّ طرف لعالم الآخر كتسلل الأفعى، فيعرف عنه كل صغيرة وكبيرة، وربما استغل أحد الطرفين تلك المعلومات في ابتزاز الآخر، وإجباره علي فعل مالا يريد من أفعال يحرمها الله، ويرفضها الدين !
ومنها صداقاتٌ تنبني علي الغِيبة والنميمة ونشر الفتن وترويج الشائعات، التي تضعُ بسببها كلّ ذات حَمل حملها، وغير ذلك الكثير والكثير مما نسمع عنه ونراه رأي العين .
صداقة الفيسبوك - يا سادة - شيءٌ جميل بشرط أن تُوظفَ توظيفها الصحيح، فترتقي بالفكر، وتُسهم في حل المشكلات، وتُناقش قضايا مصيرية، ولابد لذلك من توافر المصداقية، والوضوح، أساس أي صداقة سوية، وحتى يتحقق ذلك ستبقي صداقاتُ الفيسبوك صداقاتٍ وهمية !