ذات يوم بحثت عن أصدق تقييم لنفسي بعيدًا عن أراء الغير سواء ثناءً أم نقداً وسواء مدحاً أو قدحاً ووجدتها فى هذه العبارة التى تبدو بسيطة فى ظاهرها لكنها عظيمة الجوهر.
تقول العبارة:
" إن مفهوم الرجل الصالح يتحدد أمام نفسه"
حسنًا..!
التقييم الأصدق إذن يأتي من النفس لا من غيرها .
أنا أعرف نفسي أكثر من الآخرين مهما اقتربوا من شخصي وأنا أعلم بدواعي النقض والكمال عندى أكثر من هؤلاء الذين يلتصقون بى .
إنه التقييم الأصدق بلا شك لكنه يعتمد في المقام الأول على المصارحة التى لا يشوبها ذرة كذب .
نحن نكذب لا محالة وسط مجتمع لا يستطيع أن يتخلى عن وسائل التجميل .
هذا جائز بدواعى النقص الإنسانى وربما كان بدواعى حفظ ماء وجوهنا عندما يصفعنا الصدق مثلما تلاطم الأمواج قارب صغير فى مهب الريح .
هذا الكذب تبرره بعض الحوادث لكن في المقابل لا يجب أن نكذب على أنفسنا وإلا أصبحنا على مشارف الجنون .
ولأنني وضعت هذا التقييم لنفسي فقد كان لازمًا أن أختار وصف الرجل لكنه ليس انحيازًا لجنسى وبالتالى يمكننا أن نقول أيضًا أن " مفهوم المرأة الصالحة يتحدد أمام نفسها .
يقول " ديل كارنجى"
مؤلف كتاب " دع القلق وابدأ الحياة" وهو من أكثر المؤلفات التي لاقت رواجًا كبيرًا وقد تُرجم الى معظم لغات العالم هذه العبارة التى أنقلها حرفيًا:
" فى أحد أدراج مكتبى ملف خاص مكتوب عليه
" حماقات ارتكبتها" وأنا أعتبر هذا الملف بمثابة سجل وافٍ للأخطاء والحماقات التي ارتكبتها.
وبعض هذه الأخطاء أمليته على سكرتيرتي فتولت هي كتابته، وأما بعضها الآخر، فقد خجلت من إملائه، فكتبته بنفسي .
ولو أننى كنت أمينًا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بالملفات المكتوب عليها حماقات ارتكبتها"
هكذا يخاطب نفسه واحد من أشهر محاضرى التنمية البشرية في العالم .
بالتأكيد ليس المقصود من كلامى هذا أن نتجاهل كل ما يُقال فى شأننا سواء إيجابًا أو سلبًا لكن المقصود منه أن يكون الحكم النهائي صادر من نفسك ومن ضميرك لأنك الوحيد في هذا العالم الذى يدرك الحقيقة كلها.
أنت تعلم حقيقة نفسك وتعلم كم هو مقدار الخير والشر فيها .
لا أحد سواك يمكنه أن يدرك جوهرك ولا أحد غيرك يعلم نواياك .
فى أصدق لحظات الصدق مع النفس قالها قائد فذ وهو في منفاه بجزيرة
" سانت هيلانة"
لقد قالها " نابليون"
" لا أحد سواى مسئول عن هزيمتي . لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي"
وكان بنجامين فرانكلين
Benjamin Franklin
الكاتب والسياسى والفيزيائي يعقد لنفسه محكمة كل مساء ولقد خلص منها أن هناك ثلاثة عشر خطأ كببرًا يرتكبها ولقد حدد أكثر هذه الأخطاء خطورة وهى كالتالى:
تضييع الوقت سدى .
الانشغال بالتوافه .
والجدال مع الناس على غير طائل يجدى .
ولقد عزم على التخلص من هذا الأخطاء التي أدركها هو بنفسه رغم أن كل المحيطين به لم يلحظوها .
لقد عقد المحكمة لنفسه ووصل إلى مفهوم صلاحه فيها ثم بعد ذلك قومها فليس غريبًا بعد ذلك أن يغدو هذا الرجل واحدًا من أقرب المفكرين إلى الشعب الأمريكي .
أذكر أنني قلت للحضور ذات يومٍ فى محاضرة كانت عن السياسة العقابية الحديثة هذه العبارة:
"لو استمعتم لفظ الفضيلة ينساب على لسان أحدهم عدة مرات انصرفوا عنه لأنه في الغالب متصنع"
نحن مشتقون من النقص الذى يعترينا نهار مساء .
نحن بحاجة إلى تقييم أنفسنا في محاكمات غير علنية .. محاكمات أنام أنفسنا ندرك أبعادها بداخلنا وتصدر الأحكام فيها بموجب ضمائرنا دون تزييف ودون تجميل أو رياء .
لقد أنفق العلامة
" تشارلز داروين" خمسة عشر عامًا من عمره حتى انتهى من كتابة موسوعته
" أصل الأنواع" لكنه رأى أنه يحتاج إلى خمسة عشر عامًا أخرى من أجل نقدها ومراجعتها.
لقد أدرك هو وحده مفهوم صلاحه بعيدًا عن أعين الآخرين.
ولقد فعلها واحد من أعظم مفكرى القرن العشرين هو " انشتين"
الذى لم يخجل أن يقول:
" أننى مخطئ في أرائي تسعة وتسعين في المائة من الوقت"
وهذا رئيس عظيم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية هو
" تيودور روزفلت" يقول:
" لا نأمل أن نكون على صواب ثلاث مرات من كل أربع"
في ظني أن هؤلاء الرجال وغيرهم قد صارحوا أنفسهم بكل صدق وانتهوا إلى مفهوم الصلاح بداخلهم .
وفى مقابل هؤلاء هناك من أسكرتهم كلمات المدح والرياء والنفاق فراحوا بنشوتها التي عبثت بعقولهم إلى الهاوية وربما كانت أسوأ فترات التاريخ هي تلك التى حكم مثل هؤلاء العالم .
أيها الأصدقاء:
لا أود أن أثقل عليكم لكنني لا أملك إلا أن أتلو عليكم هذه العبارة:
" دونوا حمقاتكم التي ارتكبتموها. لا تخجلوا منها لأنه من دواعي الصلاح أن نعترف بحماقتنا وأننا حين نتجاهل الاعتراف بها فإننا نكذب على أنفسنا وهو أسوأ أنواع الكذب"
لقد أدرك المسيح الحقيقة وهو يخاطب جموع الناس التى أرادت أن ترجم الخاطئة " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"
" من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"
ولأن كلهم من الخطاة غير الصالحين أمام أنفسهم فلم يتحركوا .
وربما كانت النفس اللوامة التي جاء ذكرها في سورة القيامة كاشفة عن جوهر محاسبة النفس والوقوف على أخطائها بعيدًا عن زيف المديج وصخب الإطراء والثناء .
لا تنخدعوا بعاطفة الناس ربما كان منبعها انفعال لحظى، ولا تثقوا في ذاكرتهم لأنهم مطبعون على النسيان، ولا تطمئنوا كثيرًا إلى أحكامهم فكثرٍ منها تأت بلا تروٍ.
ادخلوا ذواتكم وتحدثوا معها وضعوا دائماً معيار الصلاح الحقيقي أمامكم والذى لن يكون أبدًا إلا أمام أنفسكم .