في ٢٢ أكتوبر٢٠٢٤م انطلقت قمة رؤساء دول تجمع البريكس من مدينة كازان الروسية، وفق شراكات اقتصاديه محتمله، لإعادة ضبط الأسواق ، وضخ دماء جديدة للتنافسية، والتداول ،والاعتماد المتبادل ، ولكن هذا التصور المعلن ،والمأمول، تقف دونه عقبات حقيقة بمثابة تحديات يجب التركيز عليها لمعرفة إمكانية التعامل معها أولا ، تمهيدا لتجاوزها، وهي تقع في المحاور التالية:-
أولا:- التقانه وعلوم الذكاء الاصطناعي، والخوادم السحابيه، وشركات مثل أمازون ، ومايكروسوفت، والمنصات العالمية مثل جوجل، وفيس بوك، وتويتر، والواتساب إلى أخر هذه العائله الإليكترونية التي تعمل وفق الأيديولوجية الكاليفرونيه ، وبدت أنها بلا نهاية، هي في الواقع تمثل جيوش الغرب الجرارة ، ومعداته العسكرية ، بالآلات، والأفراد ،والخبراء ، والاستشاريون، في السيطرة، والهيمنة على العقول ، والأسرار ، والمعلومات ، والإمكانيات على تنوعها ، وتعددها ...!!!
إن هندسة الاستعمار الرقمي تتطلب حكما ، ضرورة أن تدخل جميع الدول تحت مظلة السرديات الإليكترونية المهيمنة :-
• في التعليم بكل مراحله، وفي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية ، كما عكفت الجامعات المصرية ، والعربية على وضع الخطط ،والبرامج، والتوسع في إنشاء كليات الذكاء الاصطناعي .
• دخلت الخوارزميات السحابيه علوم القضاء ، ومنظومة العدالة .
• تدير الندوات ، والمؤتمرات، وعالم البنوك ، والتسوق الالكتروني.
• العلاقات الإنسانية، والتواصل البناء في زمن الحداثة السائلة.
• الطب والهندسة، والمعمار ، والزراعة .
• مجالات التصنيع والإنتاج، وحركة التجارة الدولية .
ثانيا:- منذ أن صك:" دون تابكسوت" عام ١٩٩٤م مصطلح الإقتصاد الرقميDigital Economy في كتابه الموسوم ب.( الاقتصاد الرقمي) :
الوعد والخطر في عصر الذكاء الشبكي والعالم لم يتوقف عن التفكير الذي وصل إلى مرحلة الهلع ، والخوف، والرعب من المستقبل الغامض، الذي لا يعد إلا بالإحباط لدول الجنوب، وفي دراسة لنا عنوانها: ( الخليج العربي ،الاشتراكية الجديدة ، والعولمة البديلة ) مجلد ٣٠، العدد ٣٤٠،(مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية ٢٠٠٧م) كنا قد حذرنا من مخاطر السيطرة الإليكترونية على معلومات وخصوصيات الدول والشعوب ، وأطلقنا صيحة : ( أن الضحية تستحق مصيرها ، ولينقذ نفسه من يستطيع...!!!) ،بعد أن بدأت منظومات الاحتيال البرئ تعمل عملها في الاقتصاديات الوطنية ، وكان تجمع البريكس آنذاك لا وجود له ،حيث تأسس لاحقا عام ٢٠٠٩م من الصين ، وروسيا، والهند، والبرازيل ، وكان الإدراك وقتئذ ، أن العولمة قد قلبت الموازين الاقتصادية:( من القوه للحق ..إلى الحق للقوه) ، وأنه إذا كانت مشكلة العمال لدى كارل ماركس والاشتراكية أنهم مستغلون، فإن مشكلتهم عند أدم سميث والرأسمالية كونهم غير مستغلين أصلا...!!!
ثالثا:- فشل مسار أوساكا (Osaka track) للتنوع التكنولوجي:
يحاول تجمع البريكس كسر احتكار المركز للسوق العالمي ، وتدرك دول هذا التكتل ان من بديهيات المواجهة الأولى ، هي محاولة إحداث توازن في الاستخدام التكنولوجي الأحادي المصدر ،وقد سبقها إلى ذلك دولا مثل:( الهند- اليابان- اندونيسيا- جنوب أفريقيا ) فيما أطلق عليه مسار أوساكا، من واقع إدراكها أن البيانات ، والمعلومات، هي العملة الجديدة لاقتصاديات العالم، وهي مخزن للقيمة للتعرف على رغبات ، وتوجهات المستهلكين في عصر الرأسمالية المراقبة بالخوارزميات، ولم تنجح في هذا السياق بالنظر إلى التخوم الإليكترونية التي تم تشييدها حول مؤسسات المال والأعمال، تحاول الصين مد دول التجمع بالتقنية الذكية البديلة ،لكن ما لحق بسمعة هذه الصناعة من: ( جوده أقل ،سعر أقل ) قد جعل منها تقانة الاستهلاك قصير الأجل ،خفيف الاستعمال، لم تقوى على مواجهة التقانه الغربية الذكية ، وبالتالي فإن قهر النموذج الإشتراكي أيديولوجيا، ونمو وانتعاش حدائق كاليفورنيا من أودية السيلكون المتعددة ، قد جعل من إمكانية إحداث التوازن مع أحد أهم السياقات المهيمنة أمرا مستعصياً قد يصل إلى حد غير الممكن...!!!
رابعا:- سرديات الإمبراطورية الخوارزمية :
إن الهياكل التقليدية من التنوعات/الخصوصيات الثقافية، و الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وحتى الهيمنة الدينية ، والأخلاقية، قد جرفها الطرف الفاعل الأوحد عبر الويب، وأدواته، وبتعبير غرامشي: ( سيطرة المعرفه)، والرقمية هي المعركة الأخيرة التي تتعرض لها البشرية في رحلة التدمير الممنهج، والإبادة لكل الأشكال ،والمنظومات المعرفية ألمنافسه، وهي مرحلة ترفع شعار : ( أن أعظم انتصار حققه المستعمر الرقمي،ليس في نهب من يستعمره، وإنما بأقناعة الدائم بدونية ثقافته) ....!!!
• فالعالم يتنفس رقمنه من متابعة البرق والرعد ،ورصد حركة النجوم والكواكب، حتى سماع ورؤية دبيب النمل....!!
حيث لا توجد منافسه بين الولايات المتحدة الأمريكية، وأقرب ملاحقيها في مجال الأرباح الإليكترونية ٧٦% لأميركا ، ١٠% للصين تبقى السرديات الغربية المهيمنة لعالم الرقمنه مؤمنة بالكامل لعقود طويلة قادمة لنمط الحضارة الأنجلو سكسونيه ...!!!
أكبر اقتصاديات أوربا يترنح ، وشركة فولكس فاغن تغلق ٣مصانع ، وألمانيا تدخل مرحلة صعبه، منذ أن رفضت الاعتماد على الغاز الروسي، في أعقاب حرب الأخيرة ضد أوكرانيا، وصندوق النقد الدولي يقول أنه لا مفر أمام الألمان سوى الإصلاحات الهيكلية، والإنفاق على البنية التحتي، والاتجاه نحو الإقتصاد الرقمي بعد عقود من اقتصاد التصنيع ، وأوربا بأسرها تحاول البحث عن حلول لأزمة ألمانيا المتفاقمة، ،،
خامسا: سردية المعمار المالي العالمي:
تهيمن على السوق بلا منازع ثالوث الإقتصاد العالمي : ( البنك الدولي.. منظمة التجاره العالميه .. صندوق النقد الدولي ) بحزمة من التشريعات، وقوانين التثبيت، وازعانات خطط التكيف وإعادة الهيكله لا تسمح للفأر بأن يتسلل بين ثناياها، وهي سرديه منضبطه، ومحكومه بشبكة من الأجهزه الإليكترونية فائقة القدره، والتقانه، بحيث تهيمن على مفاصل الاقتصاديات الوطنيه، وغني عن البيان ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر ٢٠٢٤م عن إتجاه الدولة المصريه نحو مراجعة سلسلة، ومراحل، وإجراءات التفاوض مع صندوق النقد ،بالنظر إلى طلبات الصندوق المجحفه، الذي يراجع ملف العمله من وقت لأخر ، لأنه يحقق له العديد من أهدافه، ومجموعة البريكس تحاول مساعدة الدول الفاعله في محيطها ،لكن لايزال الطريق طويل ، وصعب، وشاق، لأن تجربة النمور الأسيويه لاتزال عالقة في الأذهان ،دولا حاولت التمرد ،ومقاومة نزعة الهيمنه الدولاريه إلا أنه قد تم إجهاض مساعيها، وتحاول أن تخرج من كبوتها بالكاد....!!!
سادسا:- هندسة الهيمنه العنيفه...
تؤمن الدوله الراعيه للاستعمار الرقمي ،وهي الولايات المتحدة الأمريكية بأن الخوادم السحابيه، والخوارزميات بحاجة إلى استخدام وتسويق أبعد من مجرد ألعاب التسليه، والتواصل غير الفعال، ومن ثم فإن هدفا من أهدافها العظمى ، هو استهداف موارد الدول ، وصناديقها السياديه، وإلغاء أزعومة التحوط ، لأن هذا بحد ذاته إن حدث هو بمثابة عطل من أعطال الرأسماليه وجب تصليحه، وبالتالي فإن تصعيد ما يسمى ب : (حروب الخنق ) ، وجعل الأنظمه السياسيه ترزح تحت نير التهديد بالإقصاء، هو ما يفسر سلسلة المعارك غير المنتهيه ، والحروب نصف البادئه، إرهاب الدول يحقق هدفين من أهداف الإستعمار الرقمي هما:
• زيادة الطلب على التقانه الذكيه في المعدات العسكريه الثقيله، وأحدث الأسلحة المزوده بالرادرات ، والشفرات الإليكترونية بحسب سياسات المجمع الصناعي الأمريكي المهيمن على سوق السلاح في العالم.
• جعل الدول المستهدفه في حالة انكشاف أمني ومعلوماتي، إلى الحد الذي يسمح بالسيطرة على البيانات - كل البيانات- والتعرف على المزاج العام للأسواق المحليه ،وترشيح الشركات التي سيتم تزايد الطلب عليها.
سابعا : سرديات الجيوش السيبرانيه المهيمنه:
من ١٠ مايو إلى ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤م حدثان كاشفان لعودة السرديات المهيمنه محليا، وليس تفكيكها.
في التاريخ الأول أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويوقف العمل ببعض مواد الدستور ، وفي الثاني أمير دولة قطر يأمر بإجراء إستفتاء لتعديلات دستوريه تعيد تعيين أعضاء مجلس الشورى عوضا عن الإنتخابات، بينما الدوله الكبرى في الجزيره ، وهي المملكه العربية السعودية تشهد تحولات نحو الترفيه، والفن ، والرياضة.
في الحاله الكويتيه / القطريه ، استغلت التجربتان من بعض القبائل، استغلالاً طال النظم السياسيه، والعائلة الحاكمه بالنقد المبالغ فيه ، الذي يخرج تماما عن الأعراف والتقاليد، والقيم في شبه الجزيرة العربية، والشئ نفسه تتعرض له تجربة المملكه، ودخلت المجتمعات هناك في حالات سجال ، ومبارزات اعلاميه ، عبر وسائل التواصل الإجتماعي من الجيوش السيبرانيه السريه، والمعلنه، وبدا أن الخوارزميات قد صارت سلاحا مضاء قادر على تهديد الإستقرار في الخليج، أقوى من المواجهات العسكريه المباشره على الأرض، وكان في اللقطه الأيقونيه، حيث الطائره الدرون ،وهي تحلق فوق رأس يحيى السنوار ، ويهشها بعصا كأخر محاولات نضاله، أكبر تعبير عن فرض العصر الرقمي لكلمته، وتفكيكه لكافة السرديات السابقه عليه أمام دول البريكس عمل كبير لتجاوز كل هذه العقبات التي تفرض نفسها على واقع الإقتصاد العالمي الرقمي المربوط بدول المركز، صحيح أن هذا التجمع ذو شأن كبير في الجيو - ستراتيجي الإقليمي، والعالمي ، وأن مناطق النفوذ لم تعد مؤمنه بالكامل للهيمنه الغربيه، فهناك دولا تزاحم هذا النفوذ ، ودولا لديها رغبة عارمه للانعتاق من هيمنة الدولار الذي طغى وتجبر على العملات المحليه، وأرهق الحكومات ، والشعوب،ولم تفلح جائحة كورونا، ولا الحرب الروسيه الأوكرانية ، وسلاسل الاغتيالات، والحروب المبعثره إلا في تأكيد هيمنة الدولار ، وأن ما عداه هي مشروعات تحتاج لمجهودات كبيره ،والاستمرار في هذه المحاولات مرة تلو الآخرى...!!!
القرصنه والغزو الأمريكي للعولمه، هي السرديه الكبرى، والعقبة الكؤود أمام تجمع البريكس ، وبالوكاله تقوم إسرائيل بدور رأس الحربه المتقدم في منطقة الشرق الأوسط ،وتقود توتراتها على غير صعيد من قطاع غزه إلى جنوب لبنان، إلى العمق الإيراني، يعمل العصر الرقمي بكامل طاقته وحمولته الخشنه، وتستخدم في هذه المعارك تصنيفات عديده من الخوارزميات ، والخوادم السحابيه، الاستهلاك على أشده فوق الأرض، وتحت الأرض، وفي الفضاء السيبراني الأعلى ،إعادة صياغة الجغرافيا الإليكترونية حول العالم جزء من مفازات العصر الرقمي، ومجموعة البريكس بالكاد تحاول تفكيك مثل هذه السرديات الملغزه، والمعقده، ولايزال الطريق طويل، وشاق ، ومحفوف بالمخاطر لا محالة....!!!!!