ads
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

المستشار محمود الروبي يكتب:

حكم المحكمة الدستورية بشأن الإيجارات القديمة: خطوة نحو توازن عادل بين الملاك والمستأجرين

المستشار محمود الروبي
المستشار محمود الروبي

بقلم المستشار: محمود الروبى

 

في خطوة تُعدّ فارقة في تاريخ التشريع المصري، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، المتعلقة بتثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخصة للسكنى. هذا الحكم الجريء لم يكن مجرد تطبيق لقواعد الدستور فحسب، بل هو خطوة نحو تصحيح علاقة استمرت لعقود بصورة غير متوازنة بين المالك والمستأجر، ليعيد بذلك العدالة التي طالما نادت بها قطاعات واسعة من المجتمع.

 

حيثيات الحكم: تحقيق العدل وصون حق الملكية

 

أوضحت المحكمة في حيثياتها أن تثبيت قيمة الإيجار عند معدل ثابت منذ سنوات طويلة دون أي اعتبار للتغيرات الاقتصادية يشكل انتهاكًا لقيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية. ومع استمرار التضخم وتراجع القوة الشرائية للأموال، بات واضحًا أن تثبيت الأجرة تسبب في تقويض حقوق الملاك الذين فقدوا عائد استثماراتهم في العقارات المؤجرة.

وبناءً على ذلك، منحت المحكمة المشرع فترة زمنية كافية حتى نهاية دور الانعقاد التشريعي الحالي لتعديل القانون، وذلك لضمان إعداد مشروع قانون ينظم العلاقة الإيجارية على أسس عادلة تأخذ في الاعتبار حقوق الطرفين وتضمن تحقيق التوازن المطلوب.

 

انتهاء الصمت التشريعي بعد 43 عامًا

 

ظلت القوانين المتعلقة بالإيجار القديم قائمة لعقود، دون تعديل أو تحديث، تحت ذريعة “الاستقرار الاجتماعي”. وقد كانت الحكومات المتعاقبة تتجنب المساس بهذا الملف الحساس، خوفًا من الفوضى التي قد تنشأ جراء التعديلات المحتملة. إلا أن المحكمة الدستورية العليا أخذت زمام المبادرة بشجاعة وحكمة، ووضعت المجتمع المصري أمام فرصة ثمينة لتصحيح المسار.

الحكم الصادر اليوم لا يطالب بإلغاء حق المستأجرين، بل على العكس، يؤكد على حقهم في الاستفادة من الأماكن السكنية ولكن دون إجحاف بحقوق الملاك. إن فتح هذا الملف، بعد عقود من الصمت التشريعي، يعكس إدراكًا حقيقيًا لحاجة المجتمع لتطوير قوانين تستجيب للواقع الاقتصادي والاجتماعي.

 

دعوة للإصلاح التشريعي العادل

 

الحكم الصادر هو دعوة صريحة للمشرع للتدخل الفوري وإجراء تعديل تشريعي منصف. يجب أن يستند التشريع الجديد إلى معايير مرنة تراعي التغيرات الاقتصادية المتسارعة وتسمح بتعديل الأجرة بناءً على مؤشرات التضخم واحتياجات السوق، وبذلك يتم تحقيق توازن عادل بين المالك والمستأجر.

كما ينبغي توفير آليات تحدد فترة عقود الإيجار بمدة زمنية معقولة مع تجديد العقد وفق شروط تواكب التغيرات الاقتصادية، لتجنب وضع المتعاقدين تحت ضغوط غير متوقعة. أيضًا، توفير الدعم الحكومي للأسر محدودة الدخل التي قد تتأثر بالتعديلات الجديدة سيكون له دور مهم في الحفاظ على استقرار المجتمع.

حافز للملاك وأمان للمستأجرين

 

بجانب تعديل الأجرة وفق معايير موضوعية، يمكن للمشرع تفعيل لجان لتحديد الأجرة تقوم على دراسات واقعية لظروف السوق وأسعار العقارات. هذا يتيح للملاك عائدًا منطقيًا على استثماراتهم، دون أن يشعر المستأجر بالاستغلال. ومن أجل تحقيق مزيد من العدالة، قد يكون من المفيد تقديم حوافز ضريبية للملاك الذين يقومون بتأجير وحداتهم بأسعار معقولة، مما يساعد على استقرار سوق الإيجارات ويعزز من ثقة الأطراف في النظام التشريعي.

كل الدعم المطلق لهذا الحكم الجريء

 

إنني أؤيد بشكل كامل الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، وأراه خطوة جوهرية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن في العلاقات الإيجارية. هذا القرار يعبر عن وعي المحكمة بمسؤوليتها في حماية الحقوق الدستورية وتحقيق العدالة، ليس فقط على الورق، بل في حياة الناس اليومية.

في النهاية، الحكم ليس مجرد قرار قضائي، بل هو فرصة حقيقية لإعادة صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل يحقق مصالح الطرفين ويحفظ حقوقهما. إنه بالفعل حكم تاريخي، نتمنى أن يستغله المشرع بحكمة لوضع ضوابط قانونية تضمن الاستقرار والتوازن في سوق العقارات بمصر، وتجعل من هذا الحكم نموذجًا يحتذى به في تحقيق العدالة الاجتماعية.

 

تم نسخ الرابط