ads
الإثنين 09 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

الفقيه، الذي قيل عنه: إنه حاز ثلاثة أرباع العلم، وكان يصلي الفجر بوضوء العشاء، فكان طول ليله إما قارئا للقرآن، أو قائما متهجدا، وختم القرآن سبعة آلاف مرة في المكان الذي مات فيه، إنه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي ، ولد سنة ثمانين من الهجرة في حياة صغار الصحابة، وهو أحد الأئمة الأربعة، وأعلاهم شأنا وقدرا، اشتهر- عليه رحمة الله- بذكائه الفطري المفرط، الذي كان يُمكِّنه من الحوار مع الخصوم واستدراجهم ليسلموا بمنطقه، وبخاصة الخوارج الذين كانت لهم شهرة واسعة في عصره، وقد عَدَّ له علماء عصره عددا من المسائل الصعبة التي دارت حولها محاورات مع أهل الجدال في عصره، فخرج منها مؤيدا منتصرا، بعد أن وفقه الله، وألهمه بالإجابات المقنعة.

وأبرز ما ذكر عنه من قصص في هذا الشأن: 

* قصة استتابة الخوارج له، فقد ورد أنّهم أخذوه، وقالوا: له تب يا شيخ، فقال لهم : أنا تائب إلى الله من كل كفر، فتركوه يمضي في سبيله، فلما ذهب عنهم وتركهم، قال رجل منهم: إنه يقصد بتوبته الكفر الذي نحن عليه- كما يظن ذلك- فأرسلوا من يأتي به مرة أخرى، ثم قالوا: يا شيخ هل تقصد بتوبتك من الكفر ما نحن عليه، فقال أبو حنيفة: أتقول هذا بظن، أم بعلم؟ فقالوا: بل بظن، قال أبو حنيفة: إن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم}، وقد وقَعْت في الإثم، وهذه خطيئة، وكل خطيئة عندك كفر، فتُب أنت أولاً من الكفر، فقالوا: صدقت، إنّا نتوب من الكفر.

* مما علمه الخوارج عن الإمام أبي حنيفة أنه لا يكفّر أحداً من أهل الإسلام بالذنب والمعصية- وهذا عكس معتقدهم- فقدموا إليه ليناظروه، فسألوه: 

بباب المسجد جنازتان واحدة لمرأة قتلت نفسها بعد أن زنت وأيقنت بالحمل، والأخرى لرجل شرب الخمر حتى حشرج به ومات مخنوقاً، فقال لهم الإمام: من أي الملل هما، أكانا من اليهود؟ قالوا: لا، قال: أمن النصارى؟ قالوا: لا، أمن المجوس، قالوا: لا، قال فمن أي دين كانا؟ قالوا من الملة التي تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقال كم تعدل الشهادتان في الإسلام، أتعدل الربع، أم الثلث، أم الخمس؟ فقالوا ليست بالربع ولا الخمس ولا الثلث، فالإيمان لا يكون كذلك، فقال: فأيّ شيء من الإيمان هي؟ ( أي: الشهادتين)، قالوا: هي الإيمان كله، فقال: فعن أيّ شيء تسألونني، وقد أقررتم أنهم كانا مؤمنين؟.

ثم عادوا إليه ليسألوه عن حكمهما، فقالوا: أَهُم من أهل الجنة، أم من أهل النار؟ قال: أما ذلك فلا أقول فيهم إلا ما قاله أنبياء الله، فقد قال نبي الله إبراهيم - عليه السلام - في قوم كانوا أشد جرماً ومعصيةً منهم: {ربِّ إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}. وأقول ما قاله روح الله عيسى ابن مريم - عليهما السلام، في قوم كانوا أظلم منهما: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }، وأقول ما قاله نبي الله نوح- عليه السلام-: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون }.

وأقول ما قاله نبي الله نوح- عليه السلام- لقومه: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين }، فقام القوم جميعاً وألقوا سلاحهم، وقالوا تبنا إلى الله من كل دين، وندين لله بدينك، فقد أعطاك العلم والحكمة.

* أبو حنيفة والرجل الموسر.

يُروى أن رجلاً موسراً جاء إلى الإمام أبي حنيفة النعمان، فقال له: يا إمام إني رجل موسر قد وسع الله علي في المال والدنيا، وليس لي إلا ولد واحد قد أعياني في حاله، فكلما زوجته امرأةً مكث معها مدّةً من الزمن ثم يطلقها، وكلما اشتريت له أمةً لتخدمه أعتقها، فأطرق الإمام ملياً ثم قال للرجل: اجلس عندي حتى أقلب الرأي في المسألة.

بعد وقت يسير قال له الإمام أيها الرجل: اذهب أنت وولدك إلى السوق فأيّ جارية أعجبت ولدك وقدرت على شرائها فاشترها لنفسك لا لولدك، ثم زوجها من ولدك، فإن طلقها عادت إليك فأنت سيدها، وإن أعتقها لم يَجُز له ذلك فأنت مالكها، وإن وَلَدَت كان نسبه إليك.

رحم الله الإمام أبا حنيفة النعمان، وأنزله منازل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

تم نسخ الرابط