ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

منذ أسبوع أو أكثر ظهر ما يعرف بحفلات  اليوم الأخير من الدراسة عند بعض الأساتذة، حيث يُعلنون فيه على طلابهم عن انتهاء شرح منهج الفصل الأول (الترم)  قبل موعده الرسمي، وهذا يحدث في كثير من الجامعات والكليات الحكومية والخاصة، وكل أستاذ له نظامه في إقامة هذا الحفل، فبعضهم يحدد للطلاب موعدا لهذا اليوم، ويطالبهم بضرورة الحضور لأهميته لهم ، وفيه يقوم الأستاذ بالمرور السريع على ما لم يشرح من مفردات المنهج- وهو كثير- ، ثم يحدد لهم صفحات المقرر بعد أن يحذف منه أجزاء كثيرة حتى تصبح المادة العلمية مسخا مشوها خالية من أهداف وغايات المقرر، والطلاب مع كل حذف وتخفيف يصفقون ويهللون سعداء بهذا البتر والاقتطاع لجزء مهم من تكوين عقليتهم العلمية.
وأستاذ آخر يفعل كما فعل من سبقه، ولكنه يزيد عليه فيملي على الطلاب عددا من الأسئلة، ويطلب منهم أن يركزوا على إجاباتها لأن الامتحان لن يخرج عنها.
وأستاذ ثالث يفعل مثلما فعل الأول والثاني، ثم يزيد على ما فعلاه مذكرة فيها الأسئلة والإجابة، ويبيعها للطلاب مؤكدا لهم أن أسئلة الامتحان لن تخرج عما جاء في مذكرته.
والأستاذ الأحب والأعز عند الطلاب هو الذي يزيد من التحديد ، والحذف، للمادة العلمية المقررة، ليخرج الطالب من كل فصل دراسي بمادة علمية هزيلة، فارغة من أي مضامين ترفع من المستوى العلمي والثقافي، فيتخرجون مشوهين علميا وفكريا، وشبه أميين في تخصصهم، وهؤلاء هم من نقول عنهم: إنهم نصف الحاضر وكل المستقبل، ولا ندري كيف سيكون مستقبل الوطن والأمة على أيديهم وفاقد الشيء لا يعطيه.
كثيرا ما تصادفنا الظروف ونلتقي بأمثال هؤلاء بعد تخرجهم، فتتناقش معهم في تخصصهم فلا تجد إلا خواء وخوارا، وما جهَّلهم وضيَّعهم، وضيع الوطن والأمة معهم إلا أمثال هؤلاء الأساتذة.
وللأسف فإن هؤلاء الأساتذة-بفعلهم هذا- يقدمون رشوة من حرام لطلابهم؛ ليسكتوا عنهم ولا يكشفون أمرهم عند إدارة الكلية لأنهم لم يحضروا في الفصل الدراسي كله إلا مرتين، الأولى: مع بداية الدراسة، لتعريف الطلاب بهم ، ويعدونهم جميعا بالنجاح والتفوق، وعلى الطلاب أن يشغلوا أنفسهم بالمقررات الأخرى والأساتذة الآخرين،  ويعدهم الأستاذ بأنه سيأتيهم قبل نهاية الدراسة؛  ليحدد لهم صفحات المقرر، ويؤكد لهم بأنه سيعطيهم عددا من الأسئلة التي لن يخرج  عنها الامتحان النهائي.
وهكذا يتحدد الحضور في الفصل الدراسي كله في محاضرتين يحضرهما الأستاذ، وللأسف فإن كثيرا من إدارات الكليات لا تتابع حضور الأساتذة اعتمادا على أنه أستاذ وله ضميره العلمي، وضمير الأستاذ العلمي من أمثال هؤلاء، في مكان آخر ، فهو مشغول بأعماله الخاصة التي يديرها، وينميها؛  لأن ما يأتيه منها من ربح يفوق أضعاف أضعاف مرتب وظيفته.
 وفعلا ينفذ الأستاذ ما وعد به طلابه فيأتيهم في محاضرة أخرى وأخيرة، قبل أن ينتهي العام الدراسي بأسابيع؛ ليحدد لهم المقرر فيحذف أغلبه، والقليل المتبقي يضع عليه الأسئلة والإجابة، والطلاب ما بين مصفق ومهلل من سعادتهم ونشوتهم، و قد يقترح بعض الطلاب تقديم هدية للأستاذ بعد أن يكون قد لمَّح لهم بذلك،  فيجمعون فيما بينهم، قيمة الهدية، وعلى قدر عطايا الأستاذ تكون الهدايا، ومما يزيد الأمر سخرية واشمئزازا أن هذا الحفل يتم على أعين الجميع دون خجل ولا حياء، ويتم تصوير الحفل، ولحظة تقديم ( الرشوة) أقصد الهدية، وصورة الأستاذ وهو يتقبلها بكل زهو وسعادة، ويتم نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي بكل فخر واعتزاز.
وهذا بالطبع ينعكس سلبا على الأساتذة من أصحاب الضمائر الحية- وهم الأغلبية- الذين يصرون على استكمال العام الدراسي إلى نهايته الرسمية ؛ لأن الطلاب يطالبونهم، بل يلحون عليهم بشدة بأن ينهوا معهم الفصل الدراسي كما فعل هؤلاء الأساتذة، ويصبح هؤلاء الأساتذة من أصحاب الضمائر الحية في نظر الطلاب متعنتين متشددين، ولا يدرون أنهم يريدون أن يصنعوا منهم رجالا وعلماء يستطيعون أن ينهضوا بوطنهم وأمتهم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

تم نسخ الرابط