ads
الإثنين 23 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حتماً سيأتي الوقت الذى لا نستطيع فيه أن نقترب إلا لمن  يشبهنا .
هذا أمر من المفروض أن يكون طبيعياً لكن الأوقات القاسية تفرض ذلك بصورة أكثر إلحاحاً . تنبئك تلك الأوقات بأنه لا يجب أن تقترب فيها إلا لمن يشبهك .
لم نعد نمتلك تلك الرفاهية التي يمكن أن ندخل معها في تجربة صداقة أو تعارف .
لم يعد هناك متسع من طاقة لكي نخطو خطوات جديدة نحو نتيجة علاقة إنسانية وما إذا كان يجب أن تستمر أم لا .
لم يعد هناك متسع أبداً لتلك المغامرة . 
اقترب ممن يشبهك فقط .
أكررها اقترب ممن يشبهك فقط .
ابتعد عن هؤلاء الذين يشكل وجودهم عبئاً ثقيلاً على وجدانك وعقلك وضميرك .
ليس عليك أبداً وزراً فيما لو أغلقت دائرة الاقتراب منك .
أنت لست مالاً شائعاً يجوز للملاك أن ينتفعون بكل جزئية فيه وليست أرضاً بلا صاحب يجوز لكل مارٍ أن يرتع فيها .
لا يجب أن تكون هذا أو ذاك . يجب أن تصنع لك سياجاً آمنناً يحميك من السطو على كينوننك التي هي أعظم ما يمكن أن تميزك كإنسان . 
ربما هذا الكلام يوحي بأنني أقصد به الانعزال عن المجتمع والدخول في انفصام عنه .
لا . لا أقصد ذلك أبداً.
شارك هذا المجتمع بكل ما يجب عليك القيام به . كن عنصراً فعالاً . كن أحد أركان الدائرة الاجتماعية التي حولك . كن إيجابياً بمعني الكلمة لكن حين تركن إلى أحد منهم فتخير من يشبهك . 
من يشبهك فقط . لقد أديت دورك المجتمعي وانتهى الأمر وبقي دورك أنت لنفسك وكيانك وذاتك الإنساني . 
هذا أمر يختلف كل الاختلاف أيضاً عن قبول الآخر والتحاور مع من يخالفنا في الفكر والمعتقد . لا أقصد هذا أيضاً . هذا أمر يتعلق بحوار العقل وضرورة من ضرورات الحياة المعقدة وما أقصده شىء يختلف . 
ستظل بوصلتك تبحث عن هذا الشخص الذى يشبهك حتى تحدث المعجزة فتلقاه . هو أيضاً كان يبحث عنك فيلقاك . فضاء خارجي واسع المدى مثل السماء كانت هى رقعة البحث . 
عندما تحدث هذه المعجزة لن تهتم بصخب لا يمثل لديك سوى صوت ضجيج أجوف . لن تهتم بمن يتخلى عنك . هو يتوهم أنه صنع ذلك بينما لا تعلم أنت متى اقترب ومتى بعد . 
كل الذين يتركوك دون أن يشبهوك لن تشعر بغيابهم . 
مفهوم جديد ستعلمه عن الوحدة والعزلة .
لن يكون له أدنى جانب سلبي . على العكس تماماً .
الوحدة تعني أن هناك مساحة تشبهك ركنت إليها وأخفيت رأسك بصدرها كامرأة تحبها . والعزلة تعني أن هناك قدراً عظيماً من التأملات تستطيع أن تنسج منه أفكاراً لا يمكن أن تتأتي لك إلا به .
مساحة رحبة تستطيع النفس أن تتحرك في أجوائها دون أن يحد من تحركها قانون الجاذبية . 
كل مرات الفقد العظيمة كانت لهؤلاء الذين كانوا يشبهونني . 
لم تكن كثيرة في الحقيقة لأن هؤلاء الذين ليسوا كثر .
قم بأداء دورك المجتمعي على أكمل وجه . أذهب هنا وهناك . تحاور مع هؤلاء الذين يجب أن تتحاور معهم كطقس يومي يفرضه عليك روتين الحياة .
تجاوب مع الطرح والفكرة . ابتسم عندما يتحتم عليك أن تفعل ولا مانع من أن تتحول إلى ضحكات . كن بشوشاً إلى الدرجة التي تستطيعها . 
افعل كل شىء من أجل انجاز يومك بشكل جيد .
بعد كل هذا ستخرج من تلك الدائرة . ستكون حراً طليقاً من قيد الكلمة والفكرة والبسمة والضحكة . من قيد التحمل والتعايش والتغاضي والحديث الصامت الذى لا يجب أن يستحيل إلى كلمة .
ستخرج من هذه الدائرة الضيقة التي تفرض عليك أشياءً كثيرة . بعدها تدخل الى دائرك أنت .
المنطقة المحرمة . قدس الأقداس لو اعتبرتها لا ضير عليك .
هنا لن تقول إلا ما تحب . لن تبتسم إلا عندما تريد أنت . لن تقول حتى مرحباً إلا إذا أحببت . تضحك عندما تشعر برغبتك في الصخك . تبكي عندما تشعر برغبتك في البكاء .
تهرع إليها أو إليه لا يهم .
تحادثها أو تحادثه لا يهم . تحكي لها أو له لا يهم .
هنا ترتشف الهدوء والطمأنة . هنا تجد السلام الداخي وهدئة الروح ورجاحة الفكرة وسلامة العقل وراحة الضمير .
هنا أنت مع ما يشبهك . 
هنا أنت مع من بحثت عنه وبحث هو عنك .
هنا أنت في حضرة المعجزة التي بقيت من الزمان .

"الصورة من صالة عرض بأثينا"

تم نسخ الرابط