من بلاغة التصوير القرآني أنْ شَبّه الحق سبحانه من يُكذِبُ بآيات الله بالكلب الذي يلهث علي الدوام، سواءٌ أعطيتَه أو منعته، قربته أو طردته، حملتَ عليه، أو لم تحمل، صحيحا كان أو مريضا، جائعا، أو ظمآن، فقال سبحانه: (فمثلُه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، وهذه الصورة تنطبق على المنافق أيضا، الذي يُظهر خلافَ ما يبطن.
وهؤلاء المنافقون قد فضحهم القرآنُ في غير آية، كما بيّنت السنّةُ صفاتهم لينفضح أمرهم من جهة، ويتجنب المسلمون الوقوعَ فيما وقعوا فيه؛ ليفروا من النفاق.
ففي الحديث المُتفَق عليه أنّ آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان، وفي رواية وإذا خاصم فجر، ولا شك أنها صفاتٌ غاية في القبح، استحق صاحبُها بسببها أن يكون في الدرك الأسفل من النار.
وأعتقدُ أن سبب هذه المنزلة المنحطة للمنافقين يعود إلي شدة بأسهم، وعظيم ضررهم، لذلك أوصي الشرع بضرورة التحري في اختيار الأصدقاء، ونهي أن يجعل المرءُ من نفسه كتابا مفتوحا لأخيه، فيكون أعلم بموطن الداء، ولله در القائل :
احذر من عدوك مرة ومن صديقك ألف مرة، فربما انقلب الصديقُ عدوا فكان أدري بالمضرة.
وليس المقال دعوة للتشاؤم أو القول بانعدام الثقة في الأصدقاء، فهذا مرفوضٌ شكلا ومضمونا، ولكنه دعوة للتعقل، والتماس العذر للأصدقاء، وذلك بأن يرفع المرء شعار : وكفي بالمرء نُبلا أن تُعدّ معايبه، ويتريث في الحب و الكره؛ امتثالا لقول النّبي: (أحبب حبيبك هونا ما، عسي أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسي أن يكون حبيبك يوما ما).
وبعد أقول: ليعلم كلّ إنسان أنه يصاحب بشرا وليسوا ملائكة، وكلّ البشر خطاء.
قابلتني هذه النماذج التي يكون أصحابها مؤمني الرضا، كافري الغضب، فترى الواحد منهم في فرحه بحرا هادرا في التملق والمديح، وفي غضبه كلبا نبّاحا، لا يتذكر محمدة، ولا يقر معروفا، يصدق عليه: ( وإذا خاصم فجر ).
يُعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك عند الشدائد كما يروغ الثعلب.
هذه النماذج ذات زبيبة الوجه، والمسبحة التي تلامس الأرض من كثرة حباتها، ممن يكون مسُّهم في حال الرضا مس أرنب، وفي غضبهم، يكونون أشد فتكا من أم عامر - أنثى الضبع - لابد أن يقف في وجههم المجتمع ويكشف ألاعيبهم، لأنهم ماداموا قد نقلوا لك فلابد أن ينقلوا عنك، بيد أنهم في كلّ واد يهيمون، ويقولون مالا يفعلون .. فاحذروا منهم .. يهديكم الله ويصلح بالكم.
[email protected]