ads
الجمعة 27 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

ليس غريبًا أن يدرس كل فلاسفة وكتاب ومفكري عصر النهضة في أوروبا العلوم إلى جانب ما تخصصوا فيه من دراسات إنسانية وفلسفية .
هذا هو " فرنسيس ييكون" الرائد الأول في الفلسفة الأوروبية لكنه أيضًا ولأن الاكتشافات العلمية كانت تحدث بالصدفة فقد وضع أُسس المنهج العلمي السليم الذي يقود الباحث إلى اكتشاف العلوم الطبيعية .
ديكارت فعل نفس الشىء كان فيلسوف لكنه بحث لإيجاد علم يقيني وتطبيق هذا العام تطبيقًا عمليًا ثم تحديد العلاقة بينه وبين " الموجود الأعلى" وهو الله. وإيجاد " ميتافيزيقيا " تتكفل بحل المشاكل القائمة بين الدين والعلم .

ولم يكن العلماء العرب بعيدون عن هذا النهج .
ابن رشد لم يكن هو الفيلسوف فقط بل كان العالم الذي اهتم بالطب والفلك والفيزياء ثم القضاء ونفس الشىء كان ابن سينا  درس الفلسفة والفلك والطب .

أما " مونتسيكو " وهو المعنى بالحديث فقد درس الحقوق وتخرج في جامعة " بوردو" جنوب فرنسا بعد أن حصل على ليسانس الحقوق ثم ذهب إلى باريس لكى يتمرن على المحاماة لكنه شأنه شأن غيره لم يكتف بهذا التخصص بل جنح أيضًا إلى دراسة العلوم والرياضيات إذ كان يرى أنها دراسة هامة لتكوين الفكر الإنساني ولذلك يرى جاليليو وديكارت وباسكال ونيوتن وفولتير وغيرهم أنهم انتهجوا الطريق الصحيح عندما درسوا العلوم والفلسفة .

كان مونتسيكو أحد أعلام عصر النهضة الذين يعتقدون بأن الدين وهم وخيال وربما كان السبب وراء ذلك هو رجال الدين أنفسهم الذين أظهروا الدين بكل هذا السوء الذي ساد القرون الوسطى حتى أن الرجل كان يبتاع من أحد الكهان قطعة من الجنة!..
إن محاربة المعرفة تؤدى إلى هذا الازدراء وهي معادلة طبيعية تتفق وفطرة الإنسان .
لكن في الحقيقة لم يستمر عدد كبير منهم على انكارهم بل عادوا إلى الله كل انتهج سبيلاً يتفق مع قناعته هو لا قناعة قسيس أو كاهن .

اهتم مونتسكيو بدراسة العلوم والتجارب العملية وكان من بين هذه العلوم " علم التشريح " أو كما كان يسميها " الدراسات التشريحية" 
يقول مونتسكيو فى هذا العلم:
" إن العجب يملأ الفيلسوف كما تملؤه عظمة الله عندما يدرك كيف تعمل عضلة واحدة من العضلات "
ثم يشير إلى القدرة " الجبارة" التى تنظم عمل الجسم وما به من شرايين وأوردة وأعصاب وغدد .
لقد لجأ مونتسيكو للدراسات العلمية والتشريحية ليفهم أسس السلوك التي تُبنى عليها العادات والتقاليد وهي الدراسات  التى استعان بها في تفسير كثير من الظواهر التي تعرض لها في مؤلفه الأعظم " روح القوانين" 
لقد عاد مونتسكيو إلى الله بفعل عضلة واحدة تعمل في جسم الإنسان .
هو ذات ما حدث ما نيوتن عندما أعاده جُزيء في مادة رآه تحت المجهر إلى الله .
وهو ما أدركه دافنشي من التشريح الذي عَلَّمه كيف يرسم ملامح الإنسان وكيف تكون عظمة رب الإنسان!.

إن صناعة النهضة ليست من قبيل المعجزة ، هي تحتاج فقط إخلاص للعلم بمعناه الواسع الرحب الذي لا تحدده خطى أو تُوضع أمامه خطوط حمر .
لقد خَلد هؤلاء في الضمير الإنسانى لأنهم أدركوا معادلة النهضة التى تقوم على الخيال والتفكير ثم دمج العلوم كلها وتطويعها سواء كانت علوم طبيعية أو فلسفية .
لقد أدركوا قيمة الإنسان وحقيقته العظيمة وكان هذا هو الطريق!..

تم نسخ الرابط