الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

لا أحب تغيير الفصول .

إنه الوقت الذى يعتريني خوف لا أعلم مصدره ولقد كففت البحث عن مصدره .

الخوف الحقيقي هو ألا تعلم مصدر الخوف .

هذا آخر ما وصلت إليه .

لا فرار من الانتظار .

تلك الفترات المريبة التي تتبدل فيها الفصول .

إنها أشبه بمحاضر التسليم والتسلم التى تتقنها الإدارات الرتيبة .

وقت التسليم والتسلم هو أيضاً نوع من الخوف .

شخص يذهب وآخر يجئ .

فصل يغدو وآخر يجيئ

وكل منهم يأخذ ويترك .

ماذا يترك الصيف لنا .

يترك شمس ساطعة

دون خوف .

دون احتجاب .

دون تقلبات .

يرحل الصيف ويترك لنا الثلاثى المريع .

الخوف والاحتجاب والتقلب ثم تأتي الخاتمة في التلاشي .

في هذا الاستثناء الذين يسمونه هدوء .

في هذه النسمة الخادعة .

فى هذا البرد القارس .

في هذا الليل الطويل .

في تلك الوحدة و تلك اللهفة وهذا الشوق والذكريات التي تأبى النسيان .

هذا الخليط الغير مفسر هو نتاج تغير الفصول .

هذه العفوية القلقة هي نتاج الرحيل الذي يضربنا دون أن ندري .

نتعاطى الوهم عند كل ليلة شتاء .

هذه قطعة موسيقى وهذا فنجان قهوة .

وهذه قطرات مطر تنقر زجاج نوافذنا .

ما أسخف تلك الأشياء .

ما أتفه هذا النوع من النسيان .

إنه النسيان الهش المتعب الجريح الذى يقاوم فى كبرياء فارس يسقط وحيداً في الميدان .

قلت لكم إنه الخليط الغير مفسر .

لا تجهدوا أنفسكم فى التأويل والشرح والتفسير .

لسنا أمام نص مكتوب، يحتاج إلى أحد جهابذة اللغة أو أحد أدعياء الفكر والأدب أو أحد أفذاذ علم النفس والمنطق أو أحد فلاسفة الإغريق المبعوثين .

نحن أمام خليط مركب لا خيوط له كى نمسك بها ولا حروف له نستطيع أن نجمع شتاتها ولا صور ممزقة نعيد تركيبها .

نحن أمام قطع من إحساس قد تناثر بين فصل يرحل وآخر يأتى وهل كان في مقدور أحد أن يجمع شتات إحساس قد تفرق بين الفصول منذ أكثر من مئة عام ... !

فلنترك النص على براءته وطفولته وتلعثمه وتعثره وبلاهته التي ترفع عنه كل الآثام .

فلنترك أنفسنا تسبح بلا جاذبية .

فلنتركها حرة طليقة من قيد الجسد .

فلنحرر أحزاننا من الحزن.

نقول لها مرحباً أيتها الأحزان .

أُسكنينا كما شئتي .. !

ها هى قلوبنا سكن لك .

لن نستاء منك ولن نهابك ثانية .

لماذا نهاب رفيق الدرب .

الحزن أقل قسوة من القسوة وأرحم حيناً من الخيانة وأكثر رحابة من الضيق .

نقول للشوق مرحباً .

اضربنا كما تشاء .

فتت حصوات الجفوة اللعينة التى سكنت أجسادنا .

أذبنا فيك أيها الشوق .

حطم كبرياءنا الزائف .

كبرياء الهجر اللعين .

إجر على ألسنتنا كل الكلمات الحبيسة .

حرر الكلمات فوق شفاهنا

بث في قلوبنا القوة لكي نقول بغير تردد أحبك وأشتاق إليك .

حررنا من الكذب والغرور والزيف والرياء والجبن .

نقول للضعف أقبل .

انتزعنا من منطق القوة اللعين .

القنا إلى مناحي الوهن كي نستفيق .

اسقنا كل قطرات البكاء التي سُكبت منذ بدء الخليقة .

علمنا أن قوانا وهم وأن نضارتنا مثل مساحيق امرأة تكذب .

وأن حيواتنا ليست أكثر من صحوة موت .

فلنصغي لكل زفرة من زفرات الحزن والشوق والضعف ربما تطهرنا عند مولد شمس صيف جديد .. !

تم نسخ الرابط