لا شك أن الحديث عن شأن الصحابة رضوان الله عليهم هو من العظمة بمكان، فهم خيرة هذه الأمة و صفوتها، تخرجوا في المدرسة المحمدية تربوا وتأدبوا بآدابها فصاروا نجوماً تهتدي وتقتدي بهم الأنام فكانوا حقاً أفضل العباد بعد الأنبياء و الرسل .
ولا غرو أيضاً أن التطرق إلى بعض مناقب سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ليس بالمستطاع لمثلي أو غيري أن يفي حقها ولو طال به العمر ذاكراً إياها .
* يحدثنا ذو النورين مأخوذاً مبهورا ، أنه ذات يوم قائظ الحرارة يكاد حره يذيب الجبال أطل - رضي الله عنه - من داره بالعالية، فرأى رجلاً يسوق أمامه بعيرين صغيرين والهواء الساخن يغشاه كلفح السموم، فقال عثمان في نفسه ما على هذا الرجل العابر لو أقام بالمدينة حتى يبرد؟! فأمر ذو النورين خادمه أن ينظر إلى هذا الرجل العابر من بعيد الذي تخفي الرياح والرمال السافيات معالمه، فنظر الخادم من فرجة الباب فوجده رجلا معمما، وانتظر ريثما يقترب، فلما عرفه صاح في دهشة.. إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فأخرج ذو النورين رأسه من كوة صغيرة متوقيا سخونة الريح ونادي، ما أخرجك هذه الساعة يا أمير المؤمنين ؟! فقال الفاروق: بكران من إبل الصدقة تخلفا عن الحمي (الرعي)، فخشيت أن يضيعا، فيسألني الله عز وجل عنهما، فقال عثمان: هلم إلى الظل والماء نحن نكفيك هذا الأمر، فقال أبوحفص عد الى ظلك يا عثمان فقال عثمان عندنا من يكفيك هذا الأمر يا أمير المؤمنين، فقال الفاروق مرة أخرى عد إلى ظلك يا عثمان، ومضى لسبيله والحر يصهر الجبال، فقال عثمان بن عفان مأخوذاً مبهوراً من أراد ان ينظر إلى القوي الأمين فلينظر الى عمر بن الخطاب.
ولا عجب على رجل يهب كالطوفان إذا سمع أن درهماً واحداً من أموال المسلمين قد اختلس أو أنفق في ترف أو إسراف، إنه عمر بن الخطاب.. أول من جهر بإسلامه وهاجر جهرا وأول من عس الليل وعاقب على الهجاء ، وذات ضحي رجع الى داره فوجد رقعة من سجاد صغيرة لا تزيد على متر وبعض المتر فسأل امرأته عاتكة.. أني لك هذه؟ فقالت أهداها إلينا أبوموسى الأشعري فقال عمر: أئتوني به. وأقبل أبوموسى الأشعرى تسبقه مخاوفه.. فلما رأى ظلال الغضب تكسو وجه عمر قال: لا تعجل يا أمير المؤمنين. فرمى عمر السجادة نحو أبي موسى الأشعري وقال: ما يحملك على أن تهدى إلينا.. خذها فلا حاجة لنا فيها. * ولا أبلغ ولا أدل على علو مكانته رضي الله عنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى باهى ملائكته بالناس يوم عرفة عامة وباهى بعمر بن الخطاب خاصة وما في السماء ملك إلا يوقر عمر، وما في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر، فما أحوج ولاة أمورنا أن يتدبروا هذه الفضائل والعبر ويحذوا حذو الفاروق في رعاياهم.. وإن كنت أراني حالما فحذوه رضي الله عنه ضرب من ضروب الخيال والمستحيل وهو الذي قال في أواخر خلافته التي كانت مضرب المثل في العدل والرخاء " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت من فضول أموال الأغنياء ورددتها على الفقراء " وحسبي مما قصدت في مقالي هذا أن يكون بنانا يومئ إلى تلك العظمة العمرية في أفاقها، رضي الله عن عمر بن الخطاب وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.