من أكثر الفصول التي أبهرتني في حياة قاسم أمين هي تلك التي تحدثت عن فترة عمله في سلك القضاء .
كان له منهج عبقري سبق الزمن في تفسير النص العقابي وتغليب روح القانون عليه عندما يرى في حرفيته مجافاة العدالة .
كان لا يبغي من القضاء الفصل في الدعوى القضائية بقدر ما كان يبتغي من قضائه فيها الإصلاح . ثم أنه أولى اهتماماً كبيراً للباعث على ارتكاب الجريمة رغم أن الباعث لا يعد ركناً فيها إلا أنه يستمد أهميته من تحديد شكل القضاء فيها . لقد سطر أحكاماً عدة كانت هي عتاد أحكام محكمة النقض من بعده .
من بعض ما سطر في أحكامه تلك الكلمات الاصلاحية:
"فالخطيئة هي الشيء الذى لا محل للاستغراب منه . هي الحال الطبيعية الملازمة لغريزة الإنسان . هي الميراث الذى تركه آدم وحواء لأولادهما التعساء من يوم أن اقتربا من الشجرة المحرمة وذاقا ثمرتها التي يتخيل أنها كانت ألذ من كل ما أتيح لهما . من ذلك اليوم البعيد لوثت الخطيئة طبيعتها وانتقلت منهما إلى ذريتهما جيلاً بعد جيل . ذلك هو الحمل الثقيل الذى تئن تحته أرواحنا الملتهبة شوقاً إلى الفضيلة ، العاجزة عن الحصول على اليسير منها إلا بمقاساة أصعب المجهودات ، حتى هذا النزز "١" القليل لا سبيل إلى بلوغه إلا بتمرين طويل يتخلله حتماً سقوط متكرر في الخطيئة يكون منه الدرس المفيد لاتقائه في المستقبل . وأخيراً فإن العفو هو الوسيلة الوحيدة التي ربما تنفع لإصلاح المذنب فقلما توجد طبيعة مهما كانت يابسة لا يمكن أن تلين إذا هي عولجت"
"١"النزز:
بفتح النون والتشديد جمع نزج نزوز ، ما رشح الماء من الجدار ونحوه .