الأيام مثل البشر هناك إنسان أسعدك وهناك إنسان عذبك والفرق بين الاثنين هي الذكرى فلن تتساوى أيام السعادة وأيام الحزن ..؛ إن ذكرى الأيام السعيدة تبقى في خيالنا وتعيش معنا، أما أيام الأحزان فهي ذكريات ثقيلة نهرب منها إلى شواطئ النسيان ...؛ ونحن كأفراد نعيش تحت ظل أوضاع أثرت سلبا على الحالة النفسية الداخلية للناس كافة مسببة حالة من القلق والخوف وعدم الاطمئنان تدعونا إلى التوقف قليلًا ، وإعادة التفكير نحو ما يُخفف تفاقم هذه الحالة التي صنعناها بأيدينا بعد أن أصبحا نعيش بين شقي رحى حسرة على ماضٍ قد مر ، ولا نستطيع له طلبا والخوض في ظنون غدٍ نهابه ونخاف من قدومه فتصيبنا الوحشة والخشية فتمر أيامنا هكذا أنينا وعذابًا...: فلقد ولى الأمس بخيره وشره سواء كانت خطواتنا فيه سليمة وسديدة أو هي مجموعة من الإخفاقات، فمن ذا الذي بمقدوره أن يعيده إلينا لكي نعيد ترتيب أوراقه بما يحقق لنا ما كنا نتمناه ، وحتى إن عاد ، فماذا سيكون حاله معنا ؟ فكما قال الأمام علي أبن إبي طالب – رضي الله عنه وأرضاه – (ربما يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه ) ، وفي المقابل من الذي يستطيع الإمساك بمفاتيح الغد فيأتي إلينا بالأقرب لنا نفعاً ، فهذا كله بيد الله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو ....؛
أجل إنها إرهاصات غالبًا ما تضعنا تحت مفرمة القلق وانشغال البال والتي لا نجني من ورائها إلا عللا وأمراضا تباغتنا ، ولا نجد من دونها مصرفا ، ولذلك أصبحنا في أشد الحاجة إلى التقاط الأنفاس وإعطاء أنفسنا استراحة نحاول بها أن نخفف هذا العناء والإجهاد قبل أن يسرقنا قطار العمر ، ولعل ذلك يأتي من خلال ( آلية تصالح مع الواقع ) فنجعل من أحداث الماضي ما يجعلنا أكثر رشداً وحصافة ونترك إحداثيات المستقبل لقضاء الله يُصرِّفها كيف يشاء ، ويصبح انشغالنا في حدود اليوم الذي نعيشه حسب ظروفه وأحواله بفهم وإدراك ، ونحمد الله عليه ونقنع به ونتذكر حديث نبينا صلى الله عليه وسلم ( مَنْ أَصْبَحَ آمَنَّا فِى سِرْبِه مُعَافًى فِى جَسَدِه عِنْدَه قُوتَ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) فنهنأ بما نحن فيه ولا نقلق من غدٍ بيد رب رحيم كريم إذا أعطى سيدهشنا عطاءه ، ولكن ليس معنى ذلك ألا نرسم خرائط حياتنا وننسق شئونها بإتقان وإخلاص ونخطط لمستقبلنا دون زيف أو خداع أو طغيان على حق أحد بل نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا، فنحمي أنفسنا من دوامة لهاث الأفكار وتضاربها ، ونُجيرها من لهيب شظايا جلد الذات والخوف مما هو آت بما يفضي إلى راحتها وتخفيف الخناق عنها .