غدا الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك، فكل عام أمتنا الإسلامية والعربية وسائر بلاد العالمين في نعمة وخير وسلام وأمان، وبراءة من البغضاء والشحناء، والنزاعات المسلحة التى تزعج العالم، وتحصد أرواح الكثيرين من المتنازعين والأبرياء على حد سواء.
اللهم أدم علينا الفرح والأعياد وعلى من حولنا، فقد جعل الله الفرح بالعيدين الفطر والأضحى تشريعا للمسلمين، ويصاحب هذا الفرح التوسعة على الفقراء، فالناس إما غني أو فقير، وعندما يشعر الفقير بعطف الغني عليه وإعطائه من ماله دون الإقتار عليه، يكون هناك من المودة والحب والألفة ما يجعل المحتاج يحافظ على مال الغنى لأنه مستفيد منه، كما أن الغني يصل بعطائه إلى درجة عالية من التقوى والقرب من الله عز وجل، سواء بزكاة الفطر بعد تمام الصيام، أو بذبح الهدى الواجب فى حق الحجاج، أو الأضحية المشروعة في حق غيرهم من القادرين.
وأمر العبادة - كل العبادة - مبناها على تعظيم الله وتعظيم شعائره، وإذا كان هذا هو المقصود من تنفيذ الأمر، فإن هذا أيضا هو المعين على تنفيذه، وفى ذلك يقول الله تعالى: "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه .."، وقوله: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .."، فتعظيم الله وتقديره حق قدره يملأ القلب يقينا بأن الملك العظيم لا يأمر بعبث، بل له في كل أمر حكمة ومن وراء كل تشريع مقصد.
ولمشروعية زكاة الفطر حكم عظيمة، منها: أنها طهرة للصائم مِن اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، ليستغنوا بها عن السؤال يوم العيد ويشتركوا مع الأغنياء في الفرحة بالعيد.
وهاتان الحكمتان: نص عليهما حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
ومن الحكم أنها زكاة للبدن، حيث أبقاه الله تعالى حيا عاما من الأعوام، ولأجل ذلك وجبت للصغير الذي لا صوم عليه، والمجنون الذى رفع الله عنه التكليف، وتجب على من عليه قضاء قبل قضائه، وإنها من شكر نعم الله على الصائمين بالصيام، ولذلك أُضيفت إلى الفطر إضافة الأشياء إلى أسبابها.
ومن الحكم كذلك: حصول الثواب والأجر العظيم بدفعها لمستحقيها في وقتها المحدد، لما جاء في حديث ابن عباس: "فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات"، وفى إخراجها فى وقتها تمام السرور للمسلمين يوم العيد، وتجبر خلل الصوم.
إن التوسعة على المسلمين تقوية للتكافل والتواد بينهم، وذلك يجعل المجتمع المسلم نسيجا واحدا، فالقوى القادر يقف بجانب الضعيف المحتاج، وهذا هو لب الشريعة ومقصدها، وتقوية لمبدأ التواد والتراحم بين المسلمين جميعا.
إن شريعة الإسلام لا تعرف ذلك المجتمع الذي يموت بعض أبنائه تخمة، بينما يموت البعض الآخر جوعا، وإنما تعنى بأن يتقاسم الناس في المجتمع الواحد كل شيء حتى الشدائد، وفى ذلك يقول نبينا - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الصحيح: "ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم".
فما أحوجنا في أيامنا هذه إلى أن نعظم الله سبحانه وتعالى ونمتثل أمره وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن نطبق الشرع الشريف تطبيقا واعيا يعرف المرادات الشرعية ويمتثل المقاصد الفقهية.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، واحفظ مصرنا وأدم فرحنا وأمننا، واجمع على الحق شملنا.. آمين.