الإثنين 01 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

 

"إن القيمة العليا ليست هناك فوق ربوة من جاه أو سلطان أو ثراء لكنها هنا بأعماقك حيث يغسل السيد أقدام المتعبين .. حيث الزبد يذهب جفاءً ولا يبقى إلا ما ينفع الناس"

#فنجان_قهوة

كلمة كثيراً ماستوقفني معناها مما جعلني عند بابها أتردد قبل الدلوف متأملاً .
ولقد ساءلت نفسي كثراً: ما هى اللحظات التي يمكن أن تشعر فيها بقوة حقيقية وما هى اللحظات التى يمكن أن تشعر فيها بضعف حقيقي؟
تلك واحدة من أعقد الإشكالات التى يمكن أن تواجهنا ونحتاج أن نجيب عليها .

عندما تجتاحنا المشاعر ننسى أن  نسألها بعفوية: لماذا تجتاحنا تلك دون الأخرى .. لماذا تجلَّدنا هنا في هذا الموضع ولم نستطع في موضع آخر؟
لماذا بكينا هنا وضحكنا هناك في موضع آخر؟
كيف تظاهرنا باللامبالاة هنا بينما احترقت دواخلنا فى موضع آخر؟
كيف عبرنا عن غضبنا هنا بينما تحلينا بالصبر فى موضع آخر؟
كيف سمعنا أناس يوماً بآذاننا بينما استمعنا إلى آخرين بوجداننا يوماً آخر؟
كيف رأينا هنا بأبصارنا ثم رأينا هناك ببصائرنا؟
كيف استبد بنا الشوق هنا فصارت قلوبنا في هشاشة زجاج رقيق بينما تجمدت هناك كالصخر في موضع آخر؟
كيف تواضعنا هنا بينما أخذنا الغرور هناك فى موضع آخر؟
تلك هى الإشكالية التى يجب أن نطرحها على أنفسنا ونحن في خلوة معها. خلوة نتحلل فيها من أية قيود فنطرح دون رياء كل الأسئلة . نستعمل كل أدوات الاستفهام ..نخلع رداء الكذب المضلل ونرتدي رداء الصدق المبجل .
يمكنني أن أشعر بالقوة عندما تجتاحني لحظات الضعف .
هذا ليس تناقض ، بل تعادل .
عندما ترى مشهداً يجعلك تتوقف عن الخيلاء ثم تنحني له في تواضع فأنت تنتقل من الضعف إلى القوة وليس العكس .
أنت هنا تنتقل من ضعف الخيلاء إلى قوة التواضع .
وعندما يلمع البريق في عينيك ثم يتحول إلى عبرات تجتاز مقلتيك فتصير حبات من دموع تأثيراً بكلمة أو مشهد فأنت تنتقل من ضعف البريق الذى لمع في عينيك إلى قوة الدموع التي تطهرت بها نفسك .
عندما تخفض قامتك لهؤلاء الذين لا تنخفض لهم قامات الناس فأنت تنتقل من ضعف المكانة إلى قوة الإحساس بالغير .
عندما لا تغضب في وجه هؤلاء الذين لا يملكون دفاعاً فأنت تنتقل من ضعف السطوة إلى قوة الصفح .
عندما يزعجك أن يقف لك أحدهم هيبة ثم تربت فوق كتفه تقول له: اجلس لا حاجة لي بهذا فأنت تنتقل من ضعف الزهو إلى قوة الذات .
عندما تغمض عيناك عن رؤية المنكسرة قلوبهم فأنت تنتقل من ضعف القسوة إلى قوة الرحمة .
عندما يأنف سمعك من لقب السيادة ومظاهرها فأنت تنتقل من ضعف الغفوة إلى قوة الإدراك .
عندما تأخذك نشوة أن تكون حكماً بين الناس فأنت تنتقل من ضعف السلطة إلى قوة الخوف من الظلم .
عندما تزهد في مجالس العلياء ثم لا تلبث أن تهرع إلى هؤلاء الذين لا مجالس لهم فأنت تنتقل من ضعف السمو إلى قوة الذات .

عندما تدير وجهك عن صاحب سلطان قد اغتر ثم تجعل قبلتك إلى هؤلاء الذين لا سلطان لهم ولا غرور فأنت تنتقل من ضعف البطش إلى قوة الاستغناء .
عندما تخلع رداء الثناء والألقاب ثم تتحلى بثوب الرضاء فانت تتحول من ضعف الزيف إلى قوة النفس .
عندما تنتفض ترفع عن كاهلك جاهاً حسبت أنك لم تخلق إلا به إلى يقين بأنك لست أسمى ممن خلقوا بلا جاة فإنك تنتقل من ضعف الغفلة إلى قوة الحكمة .

إن إدراك مواطن القوة والضعف داخلك على الوجه الصحيح هو في الحقيقة أعظم ما يمكن أن تحققه لذاتك وكينونتك .
إن البحث عن المنتهى لا يمكن أن تجده إلا داخل رحاب ذاتك .
إن القيمة العليا ليست هناك فوق ربوة من جاه أو سلطان أو ثراء لكنها هنا بأعماقك حيث يغسل السيد أقدام المتعبين .. حيث الزبد يذهب جفاءً ولا يبقى إلا ما ينفع الناس..!

تم نسخ الرابط