رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، أعلنها صريحة، بأن الدولة وحدها لا تستطيع أن تضع رقيبا على كل تاجر، وعلى كل صاحب مخبز، وذلك بعد تحديد أسعار بعض السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها رغيف الخبز.
وناشد رئيس الوزراء المواطنين أن يتعاونون مع الأجهزة الرقابة بالإبلاغ عن التجار المحتكرين والجشعين الذين لم يستجيبوا لمبادرة خفض الأسعار بعد خفض سعر الدولار، والإفراج عن مستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية التى كانت مكدسة فى الموانئ لعدم توفر العملة الصعبة، وتدخلت الحكومة وباشر رئيس الوزراء بنفسه الإفراج عن هذه السلع، وتوفير الدولارات اللازمة لدفع جماركها.
وأهاب الدكتور مدبولى بالتجار فى أكثر من مؤتمر صحفي بأن يتعاونوا فى خفض أسعار السلع لتخفيف وطأة الغلاء على محدودى الدخل، ولكن بعض كبار التجار المتحكمين فى أسعار السلع التى لا يستغنى عنها أى بيت، تمادوا فى غيهم، ولسان حالهم يقول: هل من مزيد من المكاسب غير المشروعة؟، مما اضطر رئيس الوزراء اتخاذ إجراءات لتحجيم شراهة الكسب غير المشروع، وفرض عقوبات رادعة على التجار غير الملتزمين بخفض الأسعار، وأصحاب المخابز المتلاعبين فى وزن وسعر الرغيف المسمى بالسياحى.
وفى ظل المطالبة بالرقابة الشعبية، أجد أنه من المناسب أن أتحدث عن أهمية تربية الضمير فى الإنسان المصرى منذ نعومة أظفاره وحتى تخرجه من خلال المناهج فى جميع المراحل الدراسية، ومن خلال المسجد والكنيسة والأفلام والأعمال الدرامية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، لأن الضمير هو قوة روحية تحكم مواقف الإنسان وتفكيره، وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر، وفي دين الله، إلى جانب ما شرعه من أحكام وحدود وعقوبات، فإن شريعته السمحاء سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضمير، والخوف من الله ومراقبته، حتى إذا غابت رقابة البشر، وهمت نفسه بالحرام والإفساد في الأرض تحرك ضميره الحي يصده عن كل ذلك، ويذكره بأن هناك من لا يغفل ولا ينام، وهو معنا أينما كنا.
إن الناظر في حياة الناس سيجد عجباً: مشاكل وصراعات، وتهاجرا وقطع أرحام، وغمطا للحقوق، بل إنك تجد من يكون سببا في شقاء المجتمع، بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، فيستغل المواقف، ويتحين الفرص، ليشبع رغباته، ويحقق شهواته على حساب القيم والأخلاق والدين ومصالح الآخرين ومنافع العباد، وما وصل الناس إلى هذه الأمور وغيرها إلا بغياب الضمير الذي يهذب الأخلاق، ويقوم اعوجاج السلوك، بل إنه يورث الخوف من الله والخشية من عذابه وسخطه.
إن تربية الضمير وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس فيه سعادة الأفراد والمجتمعات والدول، وبدونه لن يكون إلا مزيدا من الشقاء، مهما تطورت الأمم في قوانينها وطرق ضبطها للجرائم وإدارة شؤون الناس، فإنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين. وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، والمعلم أن يقصر في واجبه، والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجباتها، والتاجر من أن يغش، ويحتكر في تجارته.. إلى غير ذلك من المفاسد والموبقات؟.. لا شيئ أقوى من الضمير اليقظ الذى يستشعر به الإنسان رقابة الله له فى كل أفعاله وتصرفاته.
إن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولا بالله، فإنه سيأتي يوم ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة، وعندما يباع الضمير تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة، فلنحذر من الغفلة وبيع ضمائرنا.
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن، وارفع عنا الغلاء، واجعل مصرنا الحبيبة سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.