الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

 يظل هذا المجتمع ناسجاً خيوط الجريمة .. تارة بالقسوة وأخرى بالتنمر، وعندما يكتمل النسيج وجهاً قميئاً للجريمة تأخذه البغتة ويذهب به الانزعاج ثم يصرخ في صوتٍ واحدٍ .. القصاص  .. القصاص .. وكأنه لم يكن يوماً يد الصانع .

إن الجريمة تشبه بيت العنكبوت في نسجها لكنها مثل شراسة الذئاب في نتجها بينما يلعب المجتمع دور الحمل الوديع .
يستصرخ قصاصاً حتى إذا ما وقع القصاص راح يرفع من جديد ذات النداء .
وهو نداء حق عندما يأتي عن تبصر لكنه يصير نداء باطل عندنا يأتي عن صخب .

إن العدالة في قيمتها العلوية تأبى النظر الضيق ومن ثم فلا سبيل إلا أن يقيم القاضي برؤيته الشاملة هذا التوازن بين الجرم والعقاب واضعاً نصب عينيه تلك الأسباب التي تتعطل عندها محاسبة الفرد مهما نسب إليه من جرم وهو دور الحكم القضائي في أوج معانيه ذلك الذى لا يأتي إلا على أساس متين لا تتشقق جوانبه مثل بنيان راسخ يبقى ما بقىَّ الزمن .
ذلك هو الحكم .. وإلا ما سُميَّ حكماً .

ما أكثر الكلمات التي تستصرخ القصاص عندما يراق دماً وما أندرها عندما تأتي بعد أن تنفذ إلى الأوراق فتبدو لها الحقيقة كما لم يدركها الرأي العام الذى طالما اكتفى في استقصائها بظاهر الأوراق .
إن "الاضطراب الضلالي" الذى ضرب عقل ونفس المتهم لم يترك له بصيص إدراك يمكن للمحكمة أن تقاضيه عليه ولم يترك له ومضة اختيار يمكن للمحكمة أن تقيم الحجة عليه ، بل تركه نفس ممزقة وعقل مضطرب من أثر عقود طويلة من التنمر والاضطهاد بينما لم يكن المجتمع الذى يرفع لواء القصاص يدري أنه يصنع من مستصغر الشرر ذلك الحريق الهائل في نفس المتهم حتى أنه يُقدم على قتل أقرب الناس إليه جميعاً .. والديه . ويا للمأساة عندما يعتقد أنه قتل وحشين كاسرين حسبما جاء به تقرير اللجنة الفنية التي جزمت بانتفاء الادراك والاختيار عنه بسبب هذا المرض اللعين .

ولا يزال الرأي العام في صخبه ظناً أن صوته ربما يرنو إلى مرتبة القضاء وأن الضجيج ربما يسمو فوق مرتبة العدالة وهو ظن كله أثم ذلك أن للقضاء مقوماته وأن للعدالة تاجها العلوي الذى نتطلع إليه جميعاً .

تم نسخ الرابط