الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

الكون الفسيح الذي نعيش في جزء صغير منه ، خلقه الله - سبحانه - مختلف الأنواع والصور والألوان ، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع وتكامل .
وكذلك طبيعة الحياة ، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة ، في المكان والزمان .
فالاختلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية ، قال الله عز وجل : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } [هود : 118] .
وفي الأثر : "لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا" . انظر : [ فتح الباري 13 / 16] .
فالناس قد خلقهم الله مختلفين ، فكل إنسان له شخصيته المستقلة ، وتفكيره المتميز ، وميوله الخاصة ، ومن العبث صب الناس في قالب واحد ، ومحو كل اختلاف بينهم ، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس .
ولهذا كله، ولحكمة أرادها الله ؛ جعل -سبحانه -
 في أحكام ديننا المنصوص عليه والمسكوت عنه ، وأن يكون في المنصوص عليه : المحكمات والمتشابهات ، والقطعيات والظنيات ، والصريح والمؤول ، لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط ، فيما يقبل الاجتهاد .
ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصًا محكمة قطعية الدلالة ، لا تختلف فيها الأفهام ، ولا تتعدد لها التفسيرات ، ولكنه لم يفعل ذلك ؛ لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة ، وطبيعة الكون و الناس المختلفة -كما قلت-  وضروريات الزمن .
وأما طبيعة اللغة فإن نصوص القرآن والسنة ، جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب ، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى ، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد .
والاختلاف مع كونه ضرورة ، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها .
ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة ، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم : "ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا ، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة" .
فهم باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم ، كما أنهم سنوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية ، وظلوا معها إخوة متحابين .
"واختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه ، وبه ينمو ويتسع ، لأن كل رأي يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية .
وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية ، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث ، فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لزمان ومكان من غيره".
نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ،و أن ينفعنا بما علمنا ، وأن يرزقنا حسن الفهم عنه -سبحانه - آمين

تم نسخ الرابط