الكلام الذي أثير مؤخرا عن المصالحة مع جماعة الإخوان، ثم تخليق مراجعات السجون، استنادا لرسالة من عنصر أو أكثر أو بعض عناصر شعرت بالهزيمة والأزمة داخل السجن، وليس استنادا إلى موقف التنظيم ذاته، وعقل الجماعة وقادتها وسياستها (رغم تكرار هذه المحاولات، ووجود كتب وأبحاث من عناصر داخل السجون من 6 أعوام تقريباً، ومنهم عمرو عبد الحافظ، وحمزة محسن.. ورغم أنه لا يوجد بينهم قيادي من مكتب الإرشاد، أو مجلس الشورى، أو حتى مدير مكتب إداري للجماعة معروف)، ثم كلام ماجد عبد الله، المثير للشفقة (وهو شخص لا قيمة له في التنظيم الآن، ويتكسب من الفيديوهات التي ينشرها)، وبعده بيان الجماعة على لسان حلمي الجزار، إنهم لن يتوقفوا عن العمل السياسي، كل ذلك غرضه وهدفه الرئيسي هو إعادة الإخوان للمشهد الإعلامي.
برأيي المتواضع أن الإخوان في مصر متأخرون للغاية، ولم يستوعبوا تجارب من سبقهم، ولا حتى تنظيمهم في أوروبا، أو شمال إفريقيا، وهم مرتبطون بأجندات خارجية تحركهم، وكلمة (مصالحة) هي جريمة في حد ذاتها، وأي من كان الشخص الذي يتحدث عن ذلك، فهو لا يدرك معناها، إذ لا يوجد في أجندات الدول "مصالحة"، ولا يجوز سياسيا ولا قانونيا ولا إجرائيا إجراء مصالحة مع تنظيم خرج على الدولة، إلا أن هناك ما يسمى (مراجعة)، أو ما يسمى (تصحيح مفاهيم)، وهو نوع من إدماج المتطرفين داخل المجتمع، ومحاولة لتصحيح أفكارهم أو استراتيجياتهم، وهذا نجح بنسبة 99% في تجربة الجماعة الإسلامية المصرية، وهي تجربة رائدة ورائعة، وتم تكرارها في تجربة المناصحة السعودية، وفي التجربة الجزائرية، وفي المغرب وموريتانيا والأردن، وكانت التجربة الليبية مهمة في هذا الشأن، والآن يتم عملها في أوروبا في تجارب مختلفة، لكنها تسير في نفس الاتجاه، وهي تجربة (أرهوس) بالدانمارك، وتجربة (حياة) بألمانيا، لكن التجربة المصرية هي الأروع، والتي حاولت الدولة تكرارها مع جماعة الجهاد الإسلامي فيما يسمى (ترشيد الفكر الجهادي)، التي نجحت بنسبة بسيطة، نظرا لأن هذه الجماعة ليست برأس واحدة، بل خلايا وسلاسل، وأحيانا مجموعات متنافرة استراتيجيا وفكريا في مسائل كثيرة مثل العذر بالجهل، وتكفير أعوان الحاكم.. الخ، ومن هنا، فأي حديث عن مصالحة من قبل عناصر منتمية للجماعة أو منشقة.. الخ فهو خاطئ، ولا يهدف لشيء سوى لإرجاع الجماعة للمشهد، او لتحقيق حضور شخصي لمن يطرح هذا الأمر، او التكسب من خلاله عن طريق الحصول على مشاهدات، مثل حالة ماجد عبد الله.
وأما الحديث عن مراجعة من قبل الجماعة لأفكارها، وتصحيح لمفاهيمها، وتوقيف لعملها السياسي القديم، وإعادة تعريف لدورها في المجتمع، وهل هي جمعية للعمل الاجتماعي أم حزب سياسي أم جمعية دعوية فقط، وووضع ضوابط لموقعها داخل الدولة، وهل هي جزء منها أم أعلى منها، وهل هي دعوة عالمية، أم هي دعوة قطرية.. الخ والقائمة تطول، فنحن مع هذا بكل تأكيد، ونحن مع الدفع في الاتجاه الذي يصحح المفاهيم لعناصر الجماعة، التي يتم استخدامهم في أهداف ضد مصر، ومع مراجعة مواقف الكثير منهم داخل السجون والإفراج عن الذين لم يمارسوا العنف، ولم يرتكبوا جرائم، وتم القبض عليهم بسبب مظاهرة أو ما شابه ذلك، ولكن بعد إجراءات أمنية يقوم بها رجال الأمن، ولكن ليس كمصالحة، وليس كطرفين يجلسان فيتحاورا ويتناقشا ويتفقا، لأن مصر دولة وليست جماعة تجلس وتتصالح مع جماعة مثلها.
وأضيف أن الإخوان لم تجر مراجعات حقيقية لأفكارها أو لتاريخها مرة واحدة، وكل ما حدث هو محاولات فردية، بدءا من كتاب "دعاة لا قضاة للهضيبي"، والذي تمت كتابته خوفا من فكر التوقف والتبين، ومن أفكار علي عبده إسماعيل، وتلميذه شكري مصطفى، ثم المحاولات التي يجريها منشقون كل حقبة زمنية، لذا فمن الصعب عليهم أن يقوموا بعمل مبادرة أو مراجعة تسفر عن توقفهم عن العمل السياسي، أو حل الجماعة.. الخ، ومن هنا كان كلام ماجد عبد الله المثير للشفقة، ثم كلام حلمي الجزار، مرشد الجماعة الحقيقي، وكل منهما يتحدث بأن الجماعة مظلومة، وهي ستتفضل بمسامحة الدولة، وتمد يدها لمن يفرج عن أعضائها من السجون، ولم أجد في حوالي 110 بيانات من الجماعة وحلفائها والمقربين منها أي كلام عن مبادرات من طرف واحد دون قيد أو شرط، بل كلها تتحدث فقط، على أن الجماعة ستتفضل بنسيان حقبة مرسي وما جرى بعدها، وستعود كما كانت تمارس عملها السياسي، بعد أن يتم الإفراج عن أعضائها، وهذا تكرما منها، وإن لم يتم ذلك، فستستمر الدعاية السوداء عبر قنواتها الفضائية، وستقوم بالوقوف في أي خندق ضد النظام الحاكم، وسيتم إطلاق إشاعات، ومحاولة إنهاك الدولة، ومحاولة تدمير اقتصادها.. الخ، كما ستقف في أي خندق يمولها من أجل تحقيق أهدافها، حتى لو كان ذلك على حساب قضايا ذات اهمية، مثل سد النهضة، أو أحداث غزة ومحاولات تهجير أهلها.
إذا كانت الجماعة جادة بالفعل في إجراء مثل المراجعات التي تشبه حقبة التسعينات، فعلى قياداتها بخارج مصر، وأيضا بالسجون، الإعلان متحدين عن التوقف عن ممارسة العمل السياسي، وإجراء مراجعة شاملة لكل تاريخهم.
إن الإخوان جماعة وظيفية، وجماعة متأرجحة لا عقل ولا ميزان لها، ولا يهمها شيء سوى ذاتها، ومن ينفذ أجندة الجماعة في هذا المنوال سواء بجهل أو دون جهل، فهو أيضا لا عقل له، ولا بوصلة سليمة، وعليه أن يراجع نفسه.
منشور عبر صفحته على الفيسبوك