المجتمعات المتحضره لم تظهر في هذه الصوره من النظام والتحضر بين عشية وضحاها، لكنها ربّت أجيال من النشئ على سلوكيات نظاميه جعلت منهم يظهرون أمام زوار البلد بهذه الصوره الحضاريه، الأمر ليس مُكلف للغايه لكنه يحتاج إلي سنوات من الصبر و التخطيط حتى تجعله أسلوب حياه، فالأمر لا يقتصر على السير في نظام أو التزام بقواعد الطرقات والمرور ولا التناغم بين فريق العمل الواحد بل إنه أسلوب تفكير الإنسان تحول إلي عقل منظم ملتزم بالقوانين والآداب العامه.
المجتمعات المتحضره لم تبتكر هذا الأمر وإن كانت قد تكون وضعت آليات متطوره تساعد في تنفيذه ومراقبته لكن المعيشه المنظمه موجوده ومقننه في الاسلام وشرائعه وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالالتزام بتعاليمه، ومثال لذلك فإننا في الصلاه نصلي في ميقات واحد ونتبع الإمام ونصلي خلفه في صفوف منتظمه متساويه وهذا الأمر دليل واضح على الالتزام واحترام القائد، كما اننا نصوم ونفطر في توقيت واحد داخل نفس المنطقة الزمنيه بما يؤكد إن التنظيم والالتزام منصوص عليه في الدين.
وإذا نظرنا للأمر من منظور آخر تجد إن الكون مخلوق في تناغم ونظام دقيق فالليل يعقبه النهار في مواعيد دقيقه غير ثابته في كل الدول حسب موقعها في الكره الارضيه وتوقيت السنه ويحدث ذلك باستمرار فلم يحدث أن غابت الشمس ولم تشرق بما يؤكد فكرة الالتزام بالمواعيد. الطيور أيضاً تهاجر في أسراب وجماعات والنمل يسير في صفوف ما يدلل على ضرورة اتباع قائد والعمل في نظام، والنحل يعيش في خلايا منتظمة الشكل وكل فرد له مهمه واضحه وثابته يؤديها بإتقان وتفان بما يوضح لنا ضرورة الالتزام والعمل الجماعي المنظم الذي ينتج لنا أفضل المنتجات، كما أن الغزلان التي حباها الله جمالا ربانياً تستيقظ كل يوم في البرية وهي متيقنه أنها معرضه للافتراس لكنها تعيش وتأكل وتلعب وتلد وتربي ابنائها وتضحي من أجلهم أيضاً بما يبرهن على فكرة إن الإنسان يجب أن يؤدي مهمته حتى وإن كانت نهايته قريبه.
لا شك في أن الاشخاص المنظمون يُعانون في المجتمعات العشوائيه كأنهم يسبحون ضد التيار، هذه المعاناه تُخلف لديهم أثر نفسي سئ يُشعرهم بقلة التقدير ليس لشخصهم فقط ولكن حزناً على الغير منظمين في أنهم يُهدرون الكثير من وقتهم ومجهودهم في الوصول إلى نتيجه كان من الممكن الوصول إليها بأقل مجهود ووقت. إن العيش في منزل منظم أو مدينه متحضره تنظيمياً يرفع من قيمة السكن بها ويقلل المجهود ويحسن الحالة النفسيه بما يجعل السكان أهدى واقل عُرضه للأمراض العصبيه والنفسيه وأطول في العمر لذلك فإن للتنظيم مفعول السحر في تقدم المجتمعات.
دعني يا عزيزي القارئ أخبرك سراً: إذا اتبعت اسلوباً منظماً في حياتك سينعكس ذلك بلا شك على شخصيتك ويحسن من نفسيتك بل سيجعلك بأقل مجهود تصل إلي أفضل النتائج، قد لا ترى أثر العمل المنظم اليوم لكنك بالضروره ستجني ثماره في مستقبلك. بل إنك لو علمت أبناءك ومن حولك التنظيم سيكون بلا شك أثراً طيباً في حياتهم ومستقبلهم وربما تكون صدقه جاريه لك تجعل من يراهم يدعو لك كذلك فإنهم حينما يُقدرون لك ذلك سيدعون لك في إنك علمتهم شئاً استثنائياً.
لكي تبدأ في عيش حياة منظمه يمكنك البدء بتدوين ما ترغب في فعله يومياً وفي نهاية اليوم تراجع ذلك وترى كم حققت من المهام ثم ترتب لليوم التالي وهكذا، يمكنك استعمال هاتفك المحمول كلما دعتك الضرورة لاستخدامه. وبعد أن تبدأ بتنظيم يومك انتقل بعدها إلي وضع قائمة مهام اسبوعيه وقم بمراجعتها وتحديد المنفذ منها ثم حدد مهام الشهر ثم السنه وضع ذلك في خطه مُركبه تساعدك على تحقيق أهدافك الحياتيه.
اجعل أهداف حياتك كبيره طموحه و محدده ويمكن تحقيقها وضع لذلك خطه وابدأ في تحقيقها، إذا اتبعت في حياتك هذا التنظيم السري سيكون لك شأن عظيم في المستقبل بإذن الله.
