فاز رونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكيه 2024 م كمرشح جمهوري في مقابل خسارة الديمقراطيين ومرشحتهم كمالا هاريس، ما يعكس رغبة الأمريكيين للعوده إلى شعار : ( أميركا أولا ) ، دلالات هذا الفوز ، واستشراف مستقبل العلاقه مع المركز نجليها في النقاط التاليه:
- احتمالات أن تقوم واشنطن بدور أكثر فاعلية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزه ، والجنوب اللبناني ، كما وعد ترامب، بل إنه قال: (لوكان موجودا في الرئاسه لما هاجمت حماس إسرائيل)..!!!
- يتمتع ترامب بعلاقات متميزه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لدوره الكبير في دحر الإرهاب، ودعا مرارا في ولايته الأولى إلى الأخذ بالتجربه المصريه في هذا السياق ، كما ينظر إلى كلا من الإمارات، والسعوديه، وقطر على أنهم حلفاء أميركا المخلصين ، ويرى في إيران تهديد دائم للمصالح الأمريكيه في الخليج .
- الصين منافس استراتيجي لأميركا ،وفي ولايته الأولى شجع رجال الأعمال الصينيون على مغادرة بلادهم ، وبالفعل هاجر العديد من مليارديراتها إلى أميركا ، وأوربا، وستستمر سياساته باتجاه ملاحقة النهوض الصيني ، واعاقته بكل الطرق الممكنه.
- - سيواجه ترامب وأميركا ظروفا صعبه في إنقاذ حلفائه الأوربيين، بالنظر إلى بداية ظهور الأزمه الأقتصاديه في الإتحاد من ألمانيا التي تعاني ضد شروط الأنقاذ التي يفرضها عليها صندوق النقد الدولي من ضرورة الإصلاح الهيكلي،والاذعان لبرامجه...!!!
تأتي مناسبة الإنتخابات الأمريكيه في ٢٠٢٤م مع حدثين بارزين في المنطقه العربيه ،وهما:-
- تعطيل بعض مواد الدستور في الكويت ، وحل مجلس الأمه
- استفتاء قطر على تعديلات دستوريه تلغي مواد الانتخاب، والعوده إلى نظام التعيين في مجلس الشورى القطري .-
العاقل من اتعظ بتجارب الآخرين...نظر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفه أل ثاني من حوله فوجد عراقا ممزقا لمدة عشرون عاما وزياده تحت زعم البحث عن الديمقراطيه الموعوده من الأمريكان، وسوريا منقسمة ومهجر نصف شعبها لأن البعض خرج على الدوله ،وحطم الإستقرار، ومابين داعش ،وجبهة النصره قتلت الديمقراطيه: ( موال يا مال الشام يالا يا مالي)، وردت عليهم دمشق التاريخ : (لو الماطال طال وطول ما باتغير ولا باتحول ) ،وعن لبنان حدث ولا حرج هويات قتلت بعضها بعضا، لوحة من الموازيك تستعصي على الحل ،الكل أراد أن يمثل في إدارة الدوله بداعي المشاركه السياسيه والديمقراطية السامه، فضاعت الدوله ، والديمقراطيه في أتون نزاعات ،وخلافات ،وحروب لا حصر لها ،ولا عد ،دولة بمائة رأس ،وألف رأي ،ورأي ،
وماذا عن ليبيا، واليمن، ؟ بل ماذا حتى عن الكويت التجربه العريقه في منطقة الخليج العربي الجزيريه؟
في تجربه استمرت من عام ٢٠٠٣م ودخلت حيز التنفيذ عام ٢٠٢١م ما بين الاستفتاء على الدستور ،وإجراء أول إنتخابات لمجلس الشورى في تاريخ البلاد عاشت دولة قطر بين شد وجذب، وتحاوزات، وخروج لافت عن العادات والتقاليد القبليه ، لاسيما في زمن الحداثه السائله وشيوع، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، ولأن الدوله استخدمت حقها في من له حق الترشح ، والانتخاب في شأن مزدوجي الجنسيه ، والولاءات ، والمتواجدين في قطر تاريخيا ،وبصفة دائمه ، رفضت جموع من قبائل المره مثل هذا التوجه ، وخرج بعض شعرائها ومحامييها بعرائض، ومطالب، ووجود، واجتماعات، وأحداث صخب وشغب شهدتها البلاد في عشية انتخابات ٢٠٢١م، واستمرت تداعياتها إلى الوقت الراهن.
بالنظر إلى إستفتاء قطر في الخامس من فبراير ٢٠٢٤م ، والذي أنهى عمليا إنتخابات مجلس الشورى، والعوده إلى التعيين من قبل الأمير ،فإن أمير الكويت الشيخ مشعل الصباح قد قام في العاشر من مايو ٢٠٢٤م أيضا بتعطيل الدستور ، وحل مجلس الأمه ،والمطالبة بتعديل بعض المواد المتعلقه بطرق وألية الاستحوابات، والتي أحدثت انسدادا في الأفق ، ووسمت التجربه بالتناشز الديمقراطي ،بعد أن تدخل بعض الأعضاء في اختصاصات الأمير في اختيار وولي العهد ، وتعيين وزير الداخليه ، فضلا عن علو صوت المعارضه ،الذي لم يعد حبيس الديوانية، وإنما تعداها إلى تنظيم مؤتمرات حاشدة جهويه، وقبليه، تنذر بالتوتر، والانشقاقات، وتحطيم بنى المجتمع الكويتي ، هذا فضلا عن لجوء البعض إلى حديث المخاشنه، والمناكفه ضد القصر ، والأسره الحاكمه، والأمير ، وهذا الأمر إن ترك على حاله سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه مثلما هي الأوضاع في أكثر من بلد عربي...!!
ما بين عامي ٢٠٠٣- ٢٠٠٦م قمنا بنشر دراستان الأولى عن: الديمقراطيه والليبرالية في الممارسة السياسية لدولة قطر ، مجلة المستقبل العربي، والثانية عن: الاستعصاء الليبرالي في الخليج العربي، المجلة العربيه للعلوم السياسيه، وتحدثنا في الأولى والثانيه عن أن هناك معوقات حقيقه أمام التجربة المقبلة عليها دولة قطر ، وهي ذات خصائص حالة الاستعصاء الليبرالي في الكويت ،ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامه ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :-
- أن الانتخابات يلزمها أحزاب سياسية عريقه ،او متوسطة ،وحديثة النشأه، وكل دول مجلس التعاون الخليجي لا يوجد بها احزاب، وليست من تقاليدها السياسيه ،بل ومنصوص على تجريمها في الدساتير والنظم الأساسية للحكم .
- - أن القبليه متجذرة بقدها وقضيدها في شبه الجزيرة العربية بما تحمله من حمولات إجتماعية، وأنساب، وتقاليد وعادات ، ومصاهره، وعصبيه، وتعاضد، بما يفوق أيه تعقيدات أيديولوجيه منسوبه إلى زمن الحداثه والتحديث، عصبية أشار إليها ابن خلدون في مقدمته الشهيره وعول عليها في هدم العصبيات الحاكمه ، وبناء دوله جديده للغلبه، والحكم ، وهو ما يخشى منه دائما وأبدا ،هواجس ومخاوف لدى كل الحكام في كل زمان ومكان.
- الحركه السياسيه في الخليج العربي الجزيري لم يعرف التيارات الفكرية على تنوع مشاربها: ( الليبراليه - الاستراكيه - الطريق الثالث) إلا من بعض النخب المحدوده والقليله جدا ،والذين قد وصموا بالعلمانيه، أو الشيوعيه ، ما يدفعهم دائما إلى التراجع ،والعوده إلى التيار الرئيسي العام المحافظ ،كما أن الحاله الثقافيه التي تغذي عقول الجموع من المترددين على الفعاليات ، والمؤتمرات لايسمعون إلا تاريخا مجيدا عن الأيام الوطنيه والسمات الحضاريه.
- غلبة التيار الديني ضد كل مقومات الحداثه، ومتطلباتها، هذا التيار في غالبيته سلفي المنشأ والتوجه ،وبالتالي المدنية والعصرنه في معتقدهم هدم للموروث الديني، فهم لا ترى فيه السلطه الرسميه في الدول إلا أنه يحمل كل أسباب التأخر فلا يجب أن يعطى فرصه ،أو سانحه للافلات من قبضتها...!!
- كل دعوات تأسيس الأحزاب السياسية قد أتت من بواعث التيار الديني( الراديكالي).
- العقد الإجتماعي الذي دعا إليه (جان جاك روسو): المؤسس لشرعية حيازة السلطه في دول مجلس التعاون الخليجي يقوم على ثنائية : ( الرفاه الإجتماعي مقابل الولاء السياسي) بمعنى أن الشعوب تقر للنظم الحاكمه بالولاء ، وعدم إثارة القلاقل والمشكلات ،أو الانخراط في حركات أو دعوات راديكاليه في مقابل أن تؤمن النظم لشعوبها حياة الرفاهية، والدعم الإجتماعي ، وقروض ميسره للبناء ،والزواج، وحيازة السيارات الفارهه، وبالتالي لا تسمح مثل هذه الهيراركيه التاريخيه بالحزبية، ولا تستدعي الحماس لكل أشكال الديمقراطيه ،بل ويعدونها انتقاصا من فرص الحياة الرغده، ومضيعة للحظوظ المتحصل عليها بدونها، إنها عملا تعد ديمقراطية قاتلة إن حدثت...!!!
- في دراسة لنا عن : الفدرلة والدستره في الخليج العربي، دراسة في عقيدة التفكيك عام ٢٠٠٦م منشورات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ،وقبل الظاهره الموسومومه ب (الربيع العربي ) حذرنا من تفكيك البنى الاجتماعية والسياسيه والإقتصادية بداعي الجهويات، والفئويات والتعقيدات الأيديولوجيه، وأن المشاريع الغربيه التي استهدفت المنطقه بالاسقاط قبل أكثر من ربع القرن من الزمان كانت قد أسست استراتيجياتها على التنوع الأيديولوجي، والتعدد المذهبي، والطائفي ،والذي تم دسترته، أي جعله حقوقا مكتسبة بنص القانون المنظم للحقوق، والواجبات ،وكان ذلك مدعاة للتهديدات المتكرره بالتدخلات الإقليمية والدوليه تحت زعم نصرة هذه الطائفه أو تلك ،فضلا عن الأبواق الإعلامية الزاعقه بأسم الديمقراطيه التي يقتتل من أجلها الجميع ،ولا تتحقق أبدأ...!!!
- ينعي المجال الثقافي العام في العالم العربي على دولة قطر وجود قناة الجزيره على أراضيها، وقد عايشت ظروف نشأتها عام ١٩٩٦م عندما جاءت كرد فعل انتقامي ضد كل الدول التي اعتبرتها الدوحه مؤيده لمحاولة انقلاب الأب الشيخ خليفه على ابنه الشيخ حمد، حيث أعلن الأمير أنها ستكون المنبر الحر لدعم المعارضه العربيه ،والأخذ بيد المستضعفين ، وكثيرا ما كانت هذه الشبكه بأفرعها مسؤوله عن رعاية التوترات حتى في الدول الخليجيه ، إلا أنه في حالة قطر ،وإلغاء الاستحقاق الإنتخابي لا تجد (شاهدا على العصر )، يسير في (الإتجاه المعاكس) ، ليتحدث عن قرارات (فوق السلطه) بوصفها( نقطة ساخنه )صمتت الجزيره صمت القبور عن نكوص التجربة الديمقراطيه في قطر ، حتى لا تتلقى والعاملين فيها رصاصة الرحمه بفعل التغذية المرتده...!!!
لم تفلح كافة المقترحات التي حاولت أن تؤسس لديمقراطية مداره تأخذ من الحداثه ،والدوله القانونيه وفق نموذج وستفاليا ١٩٦٤م ، وفي ذات الوقت تصعد القبيله عوضا عن الأحزاب ، أي - تجعل من القبيله حزبا سياسيا، لكن القبليه لا تعرف السياسه، ولا يشغلها إلا رابطه الدم والعصب، وعاداتها، وتقاليدها، ومفاخر الأجداد وشعرائها ، ونجبائها، وحتى البرلمانات المعين أعضائها من قبل الأسر الحاكمه ، وتحاول ان تكون القبائل ممثله في أي تشكيل يتم اختباره، ولا يلبي الاحتياج المطلوب، ولا يحقق الغرض المنشود لتعدد الأفرع والأسر داخل القبيله الواحده ، بل إن الأسر الحاكمه ذاتها ثمة تمييز بداخلها بحسب درجة القرابه أو البعد من البيت الحاكم ،فلم يعد ثمة أسره ، بل ثمة بيت حاكم ، ومن ثم هناك صعوبة في تهجين نموذج أو Model يصلح لأن يبرر حالة الانسداد في الأفق الديمقراطي في الخليج، وتكاد تخلو جميع الأدبيات التي حاولت الاقتراب بالنقاش من هذه القضيه العصيه، والمؤرقه للاستقرار من أية مقترحات، أو حلول ناجعه، وتشفي الغليل فالفكره ذاتها قتلت بالفكر، وأعيتها الحيل ، وأضناها البحث الرشيد