أنا جاسم مرزوق بودي، أكتب باسمي الصريح وبكلّ وضوح ومُباشرة عن موضوع يتعلّق بحاضر ومُستقبل الكويت ومصير أجيالنا وحقّهم في حياة حرّة كريمة أساسها الاستفادة المُثلى من خُطط التنمية بعيداً عن الجمود والشلل والمُماحكات السياسية التي لا تغني ولا تُسمن من جوع.
عن موضوع الجنسية الكويتية أتحدّث مُستلهماً كلام صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد: «الاعتداء على الهويّة الوطنيّة، بما تُمثّله من بقاء ووجود وقضية حكم ومصير بلد هو اعتداء على كيان البلد».
قبل الخوض في الموضوع لا بدّ من توضيح التالي:
الكلام عن حماية الهويّة الوطنيّة مُنطلقهُ وطنيّ لا عنصريّ، وأنا تحديداً لا يستطيع أحدٌ أن يزايد عليّ في هذا الموضوع... وتكفي العودة لما كتبته عن مرض العنصرية لتبيان ما أحاول شرحه.
وعندما أكتب في هذا الموضوع فلأنّني صاحب قناعة أقولها بالعلن ولا أهمس بها سرّاً. ما يهمّني أوّلاً وأخيراً أن أكون في المعسكر الرافض للاعتداء على الهويّة الوطنيّة وبالتالي كيان البلد.
والحديث عن ضرورة حماية الهويّة الوطنيّة يعكس ولاء للكويت فقط سواء أعجب ذلك البعض أم لم يُعجبهم.
وأخيراً، هذا الموضوع هو في صلب أولوياتي ككويتي لأنّني من نسل أوائل من سكنوا الكويت. قد يقول البعض لأسباب خاصة به: «هذا تاجر ابن تاجر ابن تاجر» وأردّ بالقول: «أنا مواطن ابن مواطن ابن مُؤسّس».
بعد التوضيح ندخل في التصريح وليس التلميح. نعم، ما حصل في الكويت في العقود الماضية من اللعب بالتركيبة السكانية والانحراف السياسي الذي رافق ذلك واستكانة الحكومات المُتعاقبة وخوفها من سيوف بعض النواب الضاغطين في اتجاه تمرير كشوف آلاف الأسماء للتجنيس... دمّر الكثير من الأوضاع الاجتماعية وكاد أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
وفي الصراحة أكثر، هذا النظام الانتخابي الممسوخ الذي كان يتعدّل بالضغوط فيتمدّد ويتقلّص حسب مصالح مجموعات نيابية كان المدخل العريض لتعريض الهويّة الوطنيّة للخطر. وكم كتبنا بضرورة تعديله وتطويره وكم اتهمنا بأننا ضدّ الديموقراطية فقط لأن المستفيدين كانت تهمّهم مصالحهم الانتخابية والشخصيّة أكثر من مصلحة الدولة والمُؤسّسات.
يلي هذا المدخل العريض مدخل آخر اسمه الاستجابات الحكومية التي تضع السلطة التنفيذية في مركب الشراكة مع السلطة التشريعية، والسبب أيضاً أن التركيبة السياسيّة التي سادت في العقود الماضية كرّست المعادلة التالية: إذا اتفق المجلس والحكومة فعلى تقسيم المنافع على حساب الدستور والمصلحة العامة. وإن اختلف المجلس والحكومة دخلت البلاد مرحلة الشّلل... وهو ما اختصره صاحب السمو عندما تسلّم مسند الإمارة بالقول للمجلسين: «اجتمعت كلمتكما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد».
... وكان ملفّ الهويّة الوطنيّة ركن هذا الإضرار.
في ظلّ هذه التركيبة وتلك الصورة، صار موضوع الجنسية رهين المجلسين. عشرات آلاف الأسماء تُرفع يتم تجنيسها بسيف الضغط النيابي على الحكومة، وعشرات الآلاف دخلت مسارات التزوير والازدواجية... ولا حاجة للحديث عن انعكاسات ذلك على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكيف تضرّر صاحب الحقّ الكويتي مُباشرة من ذلك.
ما يجري اليوم يستحقّ الدعم والإشادة بكلّ تأكيد، فتضخّم هذا الملفّ طيلة عقود سابقة زرع حواجز كثيرة أمام قطار التنمية، واليوم يقوم المسؤولون، ولهم كلّ الشكر، بإزالة تدريجية لهذه الحواجز كي يتمكّن القطار من المسير بجهود أبناء البلد أصحاب المصلحة الحقيقيّة في الخروج من دوّامة الشلل. إزالة الحواجز هذه سيتهاوى معها المُزوّرون والمُزدوجون ولن يبقى إلا من هي الكويت لهم.
وعندما تتقدّم الحماية لملفّ الهويّة، وتحصل تغييرات تطويريّة لنظام الانتخابات، سنرى مُجدّداً غالبيّة من رجال دولة تتقدّم الصفوف، ونلمس تقدّماً مُنتجاً للاقتصاد يُديره أهل البلد مع الاستعانة بالخبرات والكفاءات الأجنبية كما كان يحصل في السابق حيث عايشت وأقراني هذه الطفرة التي حقّقها اقتصاديون كبار بالتعاون مع إخوة أعزاء عاشوا بيننا مُكرّمين وأعطوا هذه البلاد الكثير... أنا من ذلك الجيل الذي كان يرى العودة إلى تلك المرحلة مُستحيلة لكنّها لم تعد كذلك اليوم ما دامت القيادة الحكيمة تجتهد لتحقيق ذلك.
ختاماً، أنا المواطن الكويتي، غاية ما أتمنّاه أن أرى بلدي الكويت تعود كما كانت، حاضنة لمجتمع مُتعدّد الأطياف والطوائف، يجتمع فيه الجميع على حبّ الوطن واحترام الدستور والقوانين ودولة المؤسسات. مجتمع يتّسع قلبه وعقله للجميع مهما اختلفت مُعتقداتهم واتجاهاتهم ومُمارساتهم وعاداتهم وطقوسهم طالما أن ما يجمع الجميع هو الإطار الأكبر والكيان الأقوى والهدف الأسمى... هي أمانة نستودعها عند صاحب السمو الأمير, وهو يقيناً، بتوفيق من المولى جلّت قدرته، خير من يُؤدّي الأمانة ويُعيد الكويت أجمل مِمّا كانت.