في العام ٢٠٢٠م أطلقنا موسوعتنا عن :
( الخطاب الديني المعاصر... التفكير من خارج النص ) في سبع مجلدات .. وقبل ذلك التاريخ تقريبا ٢٠٢٠م بقليل كان العالم العربي قد دخل في دوامة من الأزمات الجديدة :
( موجات متعاقبة من جائحة كورونا كوفيد١٩ - الحرب الروسيه الأوكرانية- طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية المبعثرة- الفوضى الاقتصادية في العالم ) وتراجع الحديث تدريجيا عن (الخطاب الديني) الذي سيطر على عقول النخبة لأكثر من عقد من الزمان، وهذا التراجع مبعثه أن علو نبرة السياسي على الديني قد صار جدلا مشروعا بالنظر إلى أن معايش الناس وأقواتهم اليومية أصبح يتهددها الثبات الأيديولوجي على فكرة واحده في حين أن كل هذه الظواهر المشار إليها، والمتهمة بأنها قد سرقت الأضواء، والاهتمام من: (حديث الخطاب ،وجدل الدين ) ماهي إلا الانعكاس الواقعي ، والجانب التطبيقي للأيديولوجيات ، والنظريات المعتمدة في الخطاب الديني ، وذلك من خلال المحاور التاليه:-
أولا : جائحة كورونا في مفهوم الخطاب الديني
في دراسة لنا تحت عنوان:
(كورونا كوفيد ١٩ ، الحروب البيولوجية وعولمة الموت، القوه القاهره من فوق السلطات الظاهره) حاولنا فيها فحص التناول الابيستمولوجي للظاهرة إسنادا إلى صفتان من أسماء الله الحسنى ،واردتان في نصوص القرآن الكريم، وهما (القوي) الذي ورد تسع مرات، و( القهار ) حيث ورد ست مرات ، وفرض القدرة على كل السلطات التي يعرفها البشر ،دينية كانت أو مدنيه ، وعودة الرشد إلى الإيمانية المعطلة، بعد أن اقتتلت الأديان ،والمذاهب ، وتناحرت، وعلا صوت العقل ليتطاول على النص ، والمدنس ليرتاب في المقدس ، حيث تجسدت الغائلة البشرية ،واستعظم البعض مفتونا بصنيع حضارته وما فيها من ذكاء اصطناعي، وتقانه ،خرجت عن السيطرة في معامل يوهان لتنتج مركب الفيرس المعقد الذي أفنى العديد حول العالم لتتحق نبؤة الإسراء والمعراج ،عندما نظر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى ساق العرش فوجد سيف النقمة معلقا، فقال يارب أرفع سيف النقمة عن أمتي فقال الله سبحانه وتعالى: يا محمد لقد سبق حكمي وقضائي لا يفنى أكثر أمتك إلا بالطعن والطاعون ، أي الحروب والأوبئة، وصار هناك خطاب ديني صاعد أكثر تقربا إلى الله ، وعقدت العديد من المؤتمرات والندوات التي تبحث في الجوانب الشرعية، والفقهية للظاهرة ،ومن ذلك مؤتمر جامعة الأزهر- أسيوط في سبتمبر ٢٠٢١م عن : ( الدور المجتمعي للمؤسسات الماليه ،ورجال الأعمال في مواجهة الأوبئة والكوارث من منظور إسلامي ) ، وعلى هذا المنوال نسجت العديد من الفعاليات ذات البعد الديني لتفسير وتحليل ومعالجة الظاهرة إلى الحد الذي يمكن أن نقول فيه مطمئنين: (فقه كورونا الديني ) حيث يحتاج إلى الجمع والترتيب في رسالة دكتوراه تتبناها جامعة الأزهر الشريف أو غيرها من الجامعات في العالم الإسلامي...!!!
ثانيا : الحرب الروسية الأوكرانية في منظور الفقه والخطاب...
صحيح أن الحرب اندلعت بين دولتين ينتميان لنفس الدين ، لكن ظهرت دعوات ومحاولات لاستقلال الكنيسة في أوكرانيا عن الكنيسة الأم في روسيا ، وحتى الرئيسان في البلدين لم تسلم خطاباتهما من البعد الديني ، وأن النزال مرتبط بنبؤات نهاية الزمان ، ومن يقدم مساعدات أكثر لتهيئة الأرض لعودة المسيح ليحكم الألف سنه السعيدة.
يرتبط بالفقه السياسي الديني أيضا خطاب فوقي داخل الفكر المسيحاني ذاته النمط الأرثوذكسية في الشرق، والأنجلوسكسونيه في الغرب ،حول لمن تكون الغلبة ويعد التدخل الأمريكي الأوربي إلى جانب أوكرانيا في العديد من مضامينه نصرة للعقيدة ،وأن الشيوعية و الاشتراكية في روسيا تناهض الفكر الديني الغربي ، ما يستوجب أن تدافع روسيا عن معتقدها بالهجوم على أوكرانيا ،وقد أنتج الفلاسفة، والمفكرين العديد من الأبحاث والدراسات على ضفاف هذه الحرب تنسج على منوال هذا الصراع الأيديولوجي الكبير.لمسلمون في خطابهم الديني منقسمين حول صياغة أفكارهم ورؤاهم من هذه الحرب:
الدول السنيه : لا تعنى منها إلا من حيث تأثيرها على أقوات الناس ومعايشهم، وأن الحرب قد ساهمت في حدوث أزمة اقتصاديه طاحنة في العديد من بلدان هذا المحور، ما يؤثر على أوضاع المسلمين ، فضلا عن أن الحرب قد قللت من التدخلات الروسيه في بلاد المسلمين، سواء في دعمها لبعض الحكومات أو الجماعات المسلحه من غير الدول ،وبالتالي كان إغتيال حسن نصر زعيم حزب الله ،قد شكل انتكاسة كبرى للحمايه الروسيه عل أذرعها في الشرق الأوسط ،حيث تحول الخطاب من الحنجوريه إلى المهادنه فالخطاب الراديكالي الزاعق للدين قد تم استئناسه في بلاد المسلمين.
ثالثا : طوفان الأقصى ، والسيوف الحديديه :
في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م فوجئ العالم بالخطاب الديني الراديكالي الصادر عن حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزه، يقتحم ساحة الوغى، ويشن أعنف هجوم في العمق الإسرائيلي تحت عنوان (طوفان الأقصى ) لترد تل أبيب وحكامها بأبشع جرائم حرب عرفتها البشرية تحت عنوان :( السيوف الحديدية) لم يعد ثمة مجال لتحليل الخطاب الأيديولوجي بين المسلمين واليهود، ثمة مصاحف رفعت بأسم الدين ، وسيوف أشهرت ، واباده جماعيه ، وتهجير قسري ، واغتيالات ممنهجه، وانتقلت كرة اللهب من غزه إلى الجنوب اللبناني ، ثم إيران، فالحوثيين في اليمن ...كل يدعي أنه يمتلك الحكمه ، ناصية الكلمه ، وفصل الخطاب، ولأول مره يختلط خطاب السنه بالشيعه حول قضية مركزيه ، غير أن العقل العربي راح يفاضل في تحليله بين الخطاب المنكسر أي الذي فعل شيئا ،ولم يكتف بالصوت الزاعق، وقد ضحى برموزه من إسماعيل هنيه إلى يحيى السنوار وحتى حسن نصر الله، والخطاب اليهودي المنهزم في غير معركه ، وخسر اليهودي التائه ما كان قد تحصل عليه من قبول إقليمي، وتعطلت مشاريع التطبيع ، انسحاب تاريخي للوجود الإسرائيلي من المجال العربي، يحتاج عقودا طويلة لتعويضه...!!!
رابعا : فقه المشاريع لنمذجة الخطاب الطاردة ، والمطرودة
ثمة مركزية للخطاب الديني معروفة ومتعارف عليها ، وترعى شؤون الإسلام، والمسلمين منذ قرون عديدة مثل: الأزهر الشريف (جامع وجامعة) ، وهيئة كبار العلماء في المملكه العربية السعودية، والمجالس العليا للشؤون الإسلامية في العديد من الدول ، فضلا عن الجامعات ذات الطابع الديني الرسمي وتعتمد جميعها نموذج الإسلام الوسطي الذي لا غلو فيه ، ويمكن أن نطلق عليها البيئة الدينية الطاردة لكل فكر منحرف أو متطرف، أو يدعو إلى عدم الاستقرار باسم الدين....!!!
النماذج المطرودة من الواقع السياسي العربي ،هي تلك الجماعات ،والفواعل المسلحة من غير الدول ،التي تدعي حمل السيف دفاعا عن المصحف، وقد أثبتت التجربة عدم قابلية المجتمعات لمثل هذه الدعاوى، ولا يمكن الوقوف بدقة على الأعداد الفعليه لمثل هذه الفرق ، بالنظر إلى الاختلافات الجذرية، والعديدة، والعنيفة فيما بينها ، وقد عانت ألأمه من تناحر، وتضارب ،وتشتت هذا الخطاب الذي جاء في غالبيته راديكاليا لا يهدف مصلحة الإسلام بقدر ما يستهدف حكم المسلمين بالقوة القاهرة خلافة كانت أو إمامه، أو مرشد عام يذعنون له بالولاء والطاعة، وقد استنزف هذا النهج طاقة الدول لأكثر من عقد ونصف مدى ، ولازال يعربد في جسد الأمة ظاهرا ومستترا، مع تغيير لون ووجه الخطاب ليكون أكثر قبولا لدى عموم الناس ،حتى إذا اضطرت هذه المازوخيه إلى استخدام الندابة على كافة مشاربهم...!!
خامسا : ظاهرة التدين السياسي العالمي (خطاب النخبه)...!!!
في دراسة لنا تحت عنوان: التدين السياسي العالمي، تفسير تاريخي لظاهرة عالميه ،نشرت عام٢٠١٢م في مجلة مصر والعالم المعاصر، الصادره عن دار الكتب والوثائق القومية، لافتا الإنتباه إلى أن الصراع في الشرق الأوسط سياسي في مظهره ، ديني في جوهره ، وقمنا بصك نظرية:(الدولة الدينية المهيمنة - الدولة الدينية الراعية- الدولة ألدينيه المركزية- الدولة ألدينيه المذهبية- الدول الدينية المستوطنة - الدولة الدينية ألطرفيه) ، وأوضحنا كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي يدينون بالولاء للكنيسة والحضارة الأنجلوسكسونيه ، وأنهم يدعون الهيمنة على حالة التدين في العالم ،وأن مهمتهم الرساليه هي تهيئة الأرض لعودة المسيح ليحكم الألف سنه السعيدة، خطاب عبر عنه كتابات صموئيل هنتنجتون، وفوكويانا، وغيرهما كثيرين.
ثم الدولة الراعية التي ترى أنها رفعت لواء الإسلام لعقود طويله ..دولة الخلافة العثمانية، وأن ارثها الحضاري يشرعن لها رعاية الفاعلية في الخطاب الديني ، ثم الدولة الدينية المركزية وهنا يتجلى التعاون بين دولة المقدسات وهي المملكة العربية السعودية ومصر دولة الفكر الديني الوسطي ثم الدولة المذهبية التي ترعى المذهب الشيعي في عموم بلاد المسلمين انطلاقا من قم والنجف ، حيث الضرر إيران توسعها وتدخلها، وصولا إلى الدولة الاستيطانية وما تمثله إسرائيل من شر الخطاب، وأخيرا الدولة الطرفية وهي دولة الفاتيكان ذات الزعامة الروحية ...!!!
سادسا :- خطط التكيف وإعادة الهيكله للخطاب الديني....!!!
حاولت بعض الزعامات الدينية، والمرجعيات العلمية تقديم اقتراحات بحلول لحالة التردي ، والتشظي، والفرقة للظاهرة الإسلامية، ورأينا مشاريع مؤسساتية، مثل مجلس حكماء المسلمين برعاية شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ، وترعاه دولة الإمارات العربية المتحدة، وأبى الانقسام إلا أن يفرض نفسه فأعلنت دولة قطر عن الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبدا أن الخطابان ضدان ولا يلتقيان أبدا ثم انفراد ثالث لمملكه العربية السعودية برابطة العالم الإسلامي، فضلا عن رابطة الجامعات الإسلامية، ووجد المسلمون أنفسهم أمام خيارات حائرة لخطاب معتقدهم :
خطاب وسطي هادئ لمجلس حكماء المسلمين يأخذ جل كلامه من التراث ولا يفرط قيد أنمله بداعي الحداثة بل أن التجديد لا يكون في الدين على نحو ما أعلنه شيخ الأزهر في مواجهة رئيس جامعة ألقاهره السابق الدكتور محمد الخشت في يناير ٢٠٢٠م .
خطاب حركي ينتمي لفكر الجماعات الراديكالية ومن لف لفيفها، ويمثله المجلس العالمي للعلماء المسلمين، وقد أقتفى أثر جماعات الهند وباكستان ، وضم في عضويته العديد منهم..
خطاب مقدساتي أي يرفع راية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، خطاب الحرمين الشريفين ، وقد نجح هذا الخطاب في جسر الهوة، وردم الفجوة ، وتجنب الصدام ، إذا خطط التكيف، وإعادة التموضع ساهمت في ظهور أكثر من خطاب للظاهرة الديني...!!!