الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب

توقيع عقد نشر" عبقرية أكتوبر " للكاتب محمد نبيل حول الاعداد لنصر أكتوبر

خلال التوقيع مع الهيئة
خلال التوقيع مع الهيئة لكتاب "عبقرية اكتوبر"

احتفل الكاتب محمد نبيل رئيس الإدارة المركزية للمشروعات الثقافية ، بتوقيع عقد نشر كتابه الجديد  تحت عنوان “ عبقرية أكتوبر “ مع الهيئة المصرية العامة للكتاب،واشار نبيل بأن الكتاب   وهو سجل مصور يرصد مراحل الاعداد للانتصار العظيم ، واضاف بانه بعد مرجع للشباب   ويتناول جزء هام فى حياة مصر ، ويذكر بأن الكاتب محمد نبيل له العديد من المقالات التى تتناول تضحيات أبناء الجيش والشرطة وبطولات أهل سيناء فى الدفاع والحفاظ على أمن مصر منها”سيناء: شال الشيخة فهيمة البطلة (٥)”بين وديان سيناء الكريمة الى سهولها الهينة ومساربها التى تشبه الاوردة , وكما قمم جبالها العصية الراسية , كانت فهيمة , سيدة لايعرف حظ القراءة والكتابة اليها سبيل, لكنها ابت الا ان يكون لها موضع قدم فى تاريخ الوطن بين الرجال الابطال, لكنها البداوة , وايضا الاحتلال , وقيد الامية , ونيرالفقر, وكثير من القيود التى طوقت حلم البطلة فى ان تنافس الرجال الابطال , ومع كل صباح كان الامل يدب فى اوصالها حتى تنتصب قامتها التى ناطحت مكسر الفناجيل , وقاربت الشايب فى رسوخه وصلابته, ما هذه القوة التى تتمثل فى عزيمتها؟ , ومن اين جاءتها ؟, وكل المحيط بها يكاد ان يطبق على الحلم , ويعود الحلم زائرا كريما مع بدايات غسق كل ليلة , يأتيها , يهديها البشارة , الى ان لاح فجر يوم عزمت فيه السيدة على القيام بشىء , هى تسمع كل يوم عن بطولات لهؤلاء الفتيان الاشداء , وترى عباب الدخان يعانق السماء بعد زغاريد الانفجار, ولهث كلاب العدو تتعقب اثر هذا البطل وتقتفى خطوات ذاك الفدائى , والغيرة كالبركان , تحرك كل سواكن المرأة وتكسر قيود الاحتلال وتفك اطواق البداوة, تقتفى هى الاخرى اثر احد الابطال الفدائيين , وهى التى اعتادت مراقبته متسترة بثنيات ارض سيناء الساترة لمحبيها , وتسلم البطل الاوامر من رجل يرتدى زى البدو وهى الحصيفة تعرف انه ليس من اهل البدو من مشيته ولغة جسده , ومواضع قدمه على ثرى حبيبتها , حتى اعترضت طريقه يوما , وفوجىء الرجل بهذه السيدة امامه , وكأنها نبت الارض , او طرح القدر , بادرته لتطمأنه : انا عايزة اعمل حاجة لبلدى , تعجب الرجل متظاهرا بعدم وعيه بكلامها , لكنه لم يخشاها , وشيئا ما انبت فى قلبه صدقا تجاه السيدة المسنة العجوز, سارعت السيدة ومدت يمينها النحيلة الحانية الى الرجل , وقالت : اراقبك منذ شهور يا ولدى , واعلم انك من الرجال المخلصين , ورأيتك , بعد مراقبتى لاحد الولاد الفتيان الشجعان, واعلم ما تنوى الكذب على بغيره , يا ولدى ارحم سيدة ربما تكون فى سن امك, تحركت عينا الرجل متسائلة ولم تتحرك شفاة ببنت كلمة , ردت السيدة : "يا ولدى خلينى اجابل ربى رافعة راسى " وربتت بيسارها على يده التى مازالت فى قبضة يمنيها, ترسل نبضات الطمأنة لهذ الرجل , وشيئا ما دار فى خلد الرجل كان فى صالحها , واخيرا نطق الصامت المتعجب :" اوامرك يا امى" اجابت بسعادة رددت صداها بين جبال سيناء :" مش كتير على امك تكون بطلة يا ولدى , كيف الشبان , والله يا ولدى لو امرتنى انجل الجبل لانجله بكفوفى وعلى ظهرى لاجلى بلدى " , ابتسم الرجل , وحاول ان يفصل ما يدور بفكره عما يقوله للسيدة, لكنها سمعت صخب وجدانه , وطأطأت برأسها , وابرقت له نظرة حزينة متألمة من شكه فى قدراتها , وقالت : " يا ولدى ؟ .. اكرمكنى يا ولدى , ينصرك ربك" , وامام حصارها للرجل , قال لها :"هناك خلف الجبال , الصهاينة بيجهزوا موقع جديد , تعرفى تدلينى على اخباره يا امى؟ هى ديه مهمتك "  ابتسمت السيدة وانفرجت اساريرها وانتصب قوامها الهزيل , وقالت :" منصور يا ولدى , ومجاب طلبك بإذن ربك, ورفعت كفها من يدها – اخيرا – وامسكت السبابة والابهام واطلقت بقية اصابع كفها الصغير واسع الراحة, واشارت بثلاثة , وقالت " ثلاثة اسابيع يا ولدى واجيب لك خبرهم بامر ربك", وانصرف الرجل ما بين مندهش من جرأتها , وجزء منه يخبره بأن وقوفه وحديثه مع السيدة العجوز كان جبرا لخاطرها ولن يتجاوز كونه كلام , وظلت السيدة تنظر , وترقب , وتقرأ خطوات انصراف الرجل التى ترسل بمعانى تزيد من جذوة التحدى والرغبة فى انجاز المهمة , وتمتمت شفاة السيدة العجوز بكلمة ( المهمة ) وكررتها حتى اسمعت كل جوارحها , منتشية , فرحة , تشعر بقيمتها , تفتخر بأن الوطن قد ناداها , ولم يتجاهلها , وتسرع خطواتها منصرفة , الى حيها , لم تنسى ان تمحو اثر خطواتها بعبقرية اهل البادية , واستجمعت اغنامها , وكانت الخطة ان تذهب للرعى امام موقع العدو بمفردها , وتتجول حوله مع دلوك الشمس الى غسق الليل يوما , ومن ضحاها الى غروبها على مدار اليوم , ثم تأخذ قسطا من الراحة او هكذا تبدو السيدة العجوز , وتمسك بشال وابرة وبكرة خيط مذهب , واخر احمر , وثالث ارزرق , ورابع اخضر , وتشرع السيدة فى تطريز شالها فى فترات الراحة امام معسكر الاعداء, ومن بئر العبد الى الخربة الى القايضة , ثم نجيلة وام عقيلة ورابعة وابوحمرة الى رمانة وبالوظة,  وبعد ايام اسابيعها الوعد الثلاثة , انهت ابنة قبيلة البياضية مهمتها , وتوجهت الى مكان اللقاء , والرجل تأخر عن المجىء ساعة تليها اخرى حتى توالت الساعات الطوال , والحقيقة انه كان يرقبها من بعيد ربما يلحظ شيئا او لعله كان يؤمن اللقاء , ولم يفرغ صبر السيدة الصبورة , التى كانت تتوقع بفطنة الخبيرات حذر الرجل منها, وجاءتها البشارة عندما هبت الرياح تحمل نسائم القدوم , وسمعت وقع اقدامه رغم حذره , والتفتت ناحية اقترابه, مبتسمة ترسم على وجهها ابتسامات النصر, اقترب الرجل الذى لم يفصح عن اسمه , والقى السلام , وبادرته السيدة :" الحمد لله يا ولدى , كله تمام" فقال لها :" ها احكى يا امى وانا سامعك" , فقالت بدهشة :"احكى! لا يا ولدى الحكاية مش كلام , الحكاية فعل , والفعل اهو", ومدت يدها على صدرها واشارت للشال وقالت :"هو الشال ده الفعل , الفعل كله ياولدى ", اندهش الرجل , واماء بوجهه بعيد يعلن خيبة الامل , وقال :" ما حاجتى للشال يا امى , انا عايز اسمع كلامك ومعلوماتك عن المهمة اللى اديتها لك" , ضحكت السيدة وقالت :" الشال هو اللى ها يتكلم يا ولدى , انظر يا ولدى على الشال رسومات من رسوماتنا فى البادية , نخل وشجر وعنزات وهلال وتلال وخطوط , وكل ورسمة تشبه معلومة فى المعسكر , مساحته , عدد دباباته , ونوعها , وعدد عساكره , وتوجيتات الخدمة , وتوجيتات الاكل , والنوم وتدريباتهم وكل شىء هنا مرسوم على الشال يا ولدى " , وظلت تخبره عن رموز رسوماتها وما تعنيه , واتجاهات الموقع وابعاده , وهو يحفظ من المرة الاولى كما تعلم , وجزء منه يسرح بتقريره الذى سيرفعه لقاداته لتكريم تلك السيدة بنوط الشجاعة من القائد الاعلى , فهى تستحق , انتفض الرجل فخورا بالمرأة السيناوية المصرية , وامسك بيديها وقبل جبينها :" ياااه يا امى عملتى اللى ما يعملوش عشر رجاله فى شهور , انا فخور بك يا امى , انت بطلة ", رددت السيدة كلمة (بطلة)  وبكت حتى ضحكت , ثم انصرفت مرددة انا بطلة !!, انا فهيمة نصار الهرش بطلة ؟!, لبيك ربى , لبيك سيناء, وعادت السيدة لزوجها البطل خليف مقيبل نصار الهرش, وظل الرجل يراقب رحيلها وقبل ان تحتضنها تلال سيناء معلنة غياب مشهدها عن ناظريه , ادى التحية لهذه المصرية العجوز البطلة.

 

 

تم نسخ الرابط