أي جماعة ما لها فكر ما ، لابد أن يكون قائم على سند شرعي من الكتاب والسنة ، وهو ما يعرف بالمنهج الفكري للجماعة .
على أيامنا ونحن في جهاز مباحث أمن الدولة ، كنا كضباط متخصصة ، نعرض هذا المنهج على مجمع البحوث الإسلامية للإفادة عما اذا كان هذا الفكر صحيح من عدمة ، وعلى ضوء رد المجمع يتم تجريم الجماعة فكراً وحركة .
تجريم المجمع للمنهج هي بداية المتابعة الحقيقية لأي جماعة لأنها تقوم على تجريم الفكر ، وإتهام الجماعة بأنها جماعة دينية متطرفة .
نعم " دينية " لأنها تستند إلى أيات وأحاديث من الكتاب والسنة تم تفسيرها وفهمها خطأ ، ونسبت إلى الإسلام ، والإسلام منها بريئ .
معنى كلامي أن الإرهاب له دين ، يقوم على أدلة في ظاهرها الشرع ، ولكن في حقيقتها الضلال والدمار .
هنا يحضرني مثال كلنا عشناه ، وهو ميلاد حركة " حسم " الجناح العسكري لتنظيم الإخوان بعد سقوط حكم المرشد في يونيو ٢٠١٣ ، والذي كان يستمد شرعية عملياته الإرهابية من كتاب وضع محتواة قيادات التنظيم ، يحمل عنوان ( فقة المقاومة الشعبية ) وتم فيه تجميع أيات الجهاد وأحاديث نسب قولها إلى النبي ، وتم تفسيرها على خلاف صحيح الدين ، تبرر شرعية قتل ضباط الشرطة والجيش ( نصاً ) .
لتقريب وجهات النظر في طرح الفكرة ، أرجع بالذاكرة معكم لمسلسل " الإختيار ١ " ، فقد كنا أمام فصيلين ، يحملان كتاب الله ( المصحف ) وكلاً منهما يرى أنه الحق ، حتى المصطلحات الدينية مشتركة بينهما ، فكلمة الشهيد والجهاد يستخدمان حسب فهم وعقيدة كل فريق من واقع الكتاب الذي يحمله ، والذي يمثل العامل المشترك بينهما ، فا المنسي شهيد ، والعشماوي في نظر فريقه أيضا شهيد ، وقس على ذلك في فهم الجهاد .
فقد لاحظنا قيام كل فريق في طرح أفكاره ومعتقداته لإقناع الآخر ،بإستخدام الدين في تأكيد وجهة نظره ، وهو ما يؤكد خطأ مقولة ( أن الإرهاب ليس له دين ) .
من هنا تكمن المشكلة عند الحديث عن كيفية مواجهة الإرهاب ، أو مكافحة التطرف ، لأن هذا لن يكون الا بمعرفة وفهم الفرق بين الإرهاب والتطرف ، وآليات كلاً منهما .
فحينما يحمل المتطرف السلاح ، تحول إلى إرهابي ، ومواجهته لا تكون الا بالسلاح ولا مجال معه لكلمات " المصحف " الذي يحمله ، وهذا دور الشهيد أحمد منسي والفريق الذي يمثله ، أو بمعنى آخر دور الأمن ، فالكلمة للرصاص والبندقية في مسرح العمليات على أرض سيناء بين المنسي والعشماوي .
في المسلسل مواجهة الإرهاب محسوم أمرها بالبندقية وطلقات الرصاص ، لكن الخطورة والعبئ الثقيل يكمن في مكافحة التطرف .
لكن علينا أن ننظر بعمق لعنوان المسلسل " الاختيار " و الذي يعني المفاضلة بين أمرين الحق والباطل في صورة طرح شخصيتين أحدهما "وهب"دمه في حماية الوطن وأصبح شهيدا وهذا هو الحق ، والآخر "باع “ دمه في خيانة الوطن ومات خائنا وهذا هو الباطل ، فكانت شخصية الشهيد المنسي التي جسدت الحق بكل معانيه ، مقابل شخصية الخائن هشام العشماوي التي جسدت الباطل أيضاً بكل معانيها .
هذه هي قصة المسلسل بشكل مختصر ، لكن أعتقد أن المسلسل له بعد آخر أكثر عمقًا في فكرة الاختيار وهو عنوان المسلسل ، فبين الشهيد والخائن عامل مشترك ، هو فهم كلا منهما لنصوص الدين ، ومن هنا الاختيار ، فكلاهما يملكان عقيدة واحدة بتفسير مختلف وفهم مختلف وقناعات وفكر مختلف .
نهاية المسلسل هي فوز الخير على الشر ، انتصار الحق في شخص الشهيد المنسي ، وهزيمة الباطل في شخص الخائن هشام العشماوي ، لكن في الحقيقة يبقى العامل المشترك بينهما وهو الدين بنصوصه المختلف عليها في الفهم والتفسير ، هي التي أوجدت شخص الشهيد المنسي و الإرهابي هشام العشماوي ، وهذا هو الاختيار .
الخلاصة :
إنه من الأهمية تفعيل دور مؤسسات الدولة الدينية ، وتعظيم دور المجتمع المدني بقوته الناعمة ، نعم المجتمع المدني بكل كياناته ، دون عرقلته أو تكفيره ، أو إتهامه بالكفر والإلحاد وازدراء الأديان ، فمكافحة التطرف لا تقل خطورة عن مواجهة الإرهاب ، وهنا يأتي دور مؤسسة الأزهر في مكافحة التطرف ، ووقف نزيف الدم لهشام العشماوي بين الشباب