"جاء في إنجيل لوقا: (ولكن متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض؟). عندما قرأت هذا السؤال، شعرت برغبة عارمة في الإجابة عليه، وأول ما جاء في ذهني أن تعريف الإيمان قد نختلف فيه، وقد يتصارع البعض عليه حتى داخل الديانة الواحدة. فهل أفرض مفهومي عن الإيمان على الآخرين ونظل مختلفين؟ أم ألجأ إلى المسيح لكي يساعدني في الوصول إلى معيار؟ اخترت البديل الثاني؛ فماذا وجدت؟
وجدت المسيح يقول كما روى إنجيل متى: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم). هكذا تحدث المسيح عن المعيار الحاسم: (من ثمارهم تعرفونهم).
إذن لو جاء المسيح ووجد ثمارنا تتنوع بين الكراهية والحقد والغش والإرهاب والتطرف ورفض الآخر وأخذ أموال الناس بالباطل، والتعدي على منابع الثروة في الدول الأخرى، فماذا يقول؟ يقول: (ليس كل من يقول: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات)، ويُصرّح لهم: (إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم).
وسوف يؤكد المسيح جازمًا أننا نبني إيماننا على الرمل؛ فالعمل معيار الإيمان. يقول: (وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت، فسقط. وكان سقوطه عظيماً).
هنا لا نجد الإجابة فقط على سؤال الإيمان، بل نجد الإجابة عن سؤال التقدم والتخلف أيضًا، ونعرف لماذا نحن دون التقدم الحضاري. إننا نأخذ من الإيمان الشكل والقشور وما تنطق به الشفاه، ولا نأخذ الأعمال، ولذا تأتي ثمارنا سيئة كما نراها في أرض الواقع.
لكننا نصر على أننا الأفضل، على الرغم من أن ثمارنا علقم. نزعم أن شجرتنا عظيمة بين الجماعات والأمم، على الرغم من أن ثمارها التخلف. نزعم أن الله يحبنا على الرغم من أننا نكره الآخرين لاختلافهم عنا في الثقافة أو اللون أو الجنس أو العرق أو حتى المذهب العقائدي!
جاء في إنجيل متى: (الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة). لو عاد المسيح ووجد ثمرتنا ليست عنبًا ولا تينًا، فماذا يقول عن شجرتنا؟
يجيبنا إنجيل متى: (هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً. هكذا، كل شجرة جيّدة تصنع أثماراً جيدة). إن شجرتنا شوك وحسك، لكننا نخادع أنفسنا: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة: 9).
ماذا لو عاد المسيح؟
ماذا يقول المسيح لو عاد ورأى تجليات الكثير منا في مجالس النميمة في البيوت، وأحاديث الإثم في الفضائيات، وعلى الفيس بوك وسائر مواقع التواصل الاجتماعي... قذفًا وسبًا، وتسرعًا في الحكم على الناس، وتدنيًا في الحوار، والابتزاز، وادعاء الفضيلة؟
ماذا يقول المسيح لأصحاب منابر تصيد عيوب الآخرين؟ ماذا يقول لأصحاب منابر الفتوى في كل شيء في الدنيا والدين؟ ماذا يقول المسيح لمن يزعم أنه يؤمن به وهو سَبّاب، متسرع لا يتثبت من معلوماته، ولا يتأكد من صحة الأخبار؟
المرآة الحقيقية
ماذا يقول المسيح عنا وعن كل من يزعم الإيمان به؟ هل سوف يرضى عنا؟ أم سوف يوبخنا؟
يجيبنا المسيح: (لا تَدِينُوا لِئَلاَّ تُدَانُوا. فَبِمَا تَدِينُونَ تُدَانُون، وبِمَا تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُم. مَا بَالُكَ تَنْظُرُ إِلى القَشَّةِ في عَيْنِ أَخيك، ولا تُبَالي بِالخَشَبةِ في عَيْنِكَ؟ بَلْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيك: دَعْني أُخْرِجُ القَشَّةَ مِنْ عَيْنِكَ، وهَا هِي الخَشَبَةُ في عَيْنِكَ أَنْتَ؟ يا مُرائِي، أَخْرِجِ الخَشَبَةَ أَوَّلاً مِنْ عَيْنِكَ، وعِنْدَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا فَتُخْرِجُ القَشَّةَ مِنْ عَيْنِ أَخِيك).
هكذا يوبخنا المسيح وهكذا ينصحنا، أما نحن فلا نزال ندين الآخرين، ونكيل لهم، وننهش في لحومهم، ونتداول الشائعات عنهم، وننظر إلى عيوبهم، ونرى القشة في عيونهم، ولا نهتم بالنظر في عيوبنا وإصلاحها.
رسالة محمد عليه الصلاة والسلام
هنا يظهر محمد عليه الصلاة والسلام راوياً عن ربه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضَكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12).
ويعود ليؤكد في حديثه: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ). حسنه الترمذي وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
ختامًا.. يستمر اللحن المقدس ويعود المسيح قائلاً: (إنّي لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم).