النيابة: حين تنقلب الفطرة.. طعنة الغدر ابن ينهي حياة والده بلا رحمة
بينما يقف البشر في صفوف الإنسانية، هناك من ينحدر إلى درك الوحشية، حينما تغيب الرحمة وينتزع من القلوب نور الفطرة، فقضية اليوم مأساة إنسانية ترتجف لها الأرواح، أب مكلوم أفنى حياته في سبيل ابنه، قدم له الحب والعطاء بلا مقابل، ليجد نفسه ضحية الغدر والطعن على يد من كان يفترض أن يكون سندا وعونا، من كان ضعيفا بين يديه قواه وأطعمه، عاد اليوم لينقلب عليه بلا رحمة.
إن هذه الجريمة ليست مجرد فعل شنيع، بل جرح غائر في القيم الإنسانية ، كيف لإنسان أن يطعن من أحبه بلا تردد؟، كيف لمن عاش في حضن أبيه أن يتحول لوحش كاسر لا يعرف الرحمة ؟
استكملت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار د. حسن السيد، إلى المرافعة التي قدمها عمرو خالد رئيس نيابة حوادث شمال الجيزة، في قضية الطالب الجامعي المتهم بقتل والده بمنطقة العجوزة.
أضاف عمرو خالد رئيس النيابة، في مستهل مرافعة النيابة العامة أمام محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار دكتور حسن السيد وعضوية المستشارين خالد رشاد و ياسر جلال بأمانة سر محمد شعراوي: نسوق إليكم الضال قذف بنفسه في غياهب الظلمات تمرد عن الفطرة السوية.. وانتصار للشهوات الجامحة والأفكار الشاذة.. فلو عرضت هذه القضية على أسماع الكثير دون أدلتها لما صدقوا ما يسمعون كيف للإنسان أن يقتل من كان سبب وجوده.
النيابة: كيف أنهى الابن حياة والده في شيخوخته
وتساءل ممثل النيابة عمرو خالد في مرافعته قائلا: كيف يصح ان يعتدى الإنسان على من قرن الله حقه بحقه وشكره بشكره وجعل رضاه من رضاه وسخطه من سخطه من رباه وأحسن اليه غاية الإحسان تعب ليسترح .. مرض ليصح .. شقى ليسعد فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال : قال ص الله عليه وسلم " رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الواد" أغراه العاق قوته في قتل والده مستغلا ضعفه، اغراه شبابه وهرمه، قدرته وعجزه نسى من كان ضعيفا فقواه ومن كان عاجزا فأقدره.
استطرد عمرو خالد ممثل النيابة في مرافعته قائلا:" من افترض فيه السند ؟ .. أهو من أؤتمن فخان؟.. وعاهد فغدر؟ قتل والده .. أجهز عليه بكل وحشية صاربة.. أكان بين ضلوعه قلب؟ ألم يرق قلبه ولو لحظة واحدة يتردد فيها قبل إقدامه عن تلك الفعلة الشنعاء ؟؟ .. انعدمت فيه الرحمة والشفقة عن أصله.. أغشى على عينه فعميت بصيرته فأصبح وحشا كاسرا افترس من أمن به وحنا إليه .. وإنا ماضون فيما استرعانا فيه الله..
((وقائع الدعوي))
كشف عمرو خالد رئيس النيابة تفاصيل وقائع الدعوى التي ترجع إلي تاريخ الأول من شهر مارس من العام ألفين ثلاثة وعشرين من الميلاد، وإن كانت علاقة المجني عليه بالمتهم قد بدأت وامتدت قبل ذلك ببعيد، ثماني عشرة سنة، هي جل عمر المتهم القابع في قفص الإنهام، حين رزق الله المجني عليه بطفل كان في المهد صبيا، أمل أن يجعل له ربه أمدا، دون أن يدري أن الغدر منه قد دني، لم يكن يعلم أن رحلته في الحياة الدنيا تشارف علي بلوغ منتهاها،، صريع علي أيدي نجله المتهم الذي كان يدرك سوء عقباها،، فحينما أبصر المتهم نور الحياة كان والده المجني عليه يري وشك رحلته، رب أسرة سعي لإيجاد مقومات الحياة، محملا بعبء المسئولية الملقاة علي عاتقه، لم يدخر جهدا في سبيل توفير قوت يومه وأسرته، غير أبه بما نزل وألم به، إذ كان يعاني من أمراض مؤمنة ابتلاه الله عز وجل بها - ( داء السكري - وداء ضغط الدم ) - وهو عليها صابر محتسب، دون أن يثنه ذلك عن مسعاه ، في أن يكفل لأسرته رغدا من العيش، بلغ من العمر أرذله ، وتقاعد عن عمله متنحيا، راجيا مولاه أن يلهمه شكر نعمته ، نعمته التي أنعم بها عليه وعلي بنيه، متمنيا أن يرد إليه الإحسان إحسانا من نجله المتهم، والذي كان قد اشتد ساعده 66 غادر المتهم " طارق محمد محسن صيام "منزل الأسرة بمدينة أسوان أقصي جنوب البلاد، قادما إلي محافظة الجيزة طلبا للعلم، حيث التحق بكلية الحاسبات والمعلومات بأحد المعاهد، كان يقطن بمفرده، وكان الأب المجني عليه يتردد عليه بين الحين والآخر، يقيم برفقته مدة لا تجاوز السبع ليال سويا، كان يعكف خلالها علي التداوي تحت وطأة ما حمل به من أمراض، والتي لم تلهه عن نجله المتهم، إذ كان يحنه أن يكرس جهده لدراسته في زمان عظمت فيه الملهيات، راجيا مولاه أن ينبته نباتا حسنا، ليكون نافعا لوطنه والمجتمع، حضر الأب المجني عليه في أواخر شهر فبراير من العام قبل المنصرم تقوده خطاه إلي مصيره المحتوم،، وقد كتب عليه أن يقتل غدرا علي يد نجله الآئمة غير ملوم، وفي صبيحة يوم الواقعة الموافق الأول من شهر مارس لعام ألفين ثلاثة وعشرين من الميلاد ،، استيقظ " المتهم " ، دعاه والده " المجني عليه " أن يشاركه الطعام،، إلا أنه أعرض، موليا دبره ، قاصدا غرفته، موصدا أبوابها ، أبواب الرحمة في مجالسة والده الذي بلغ من العمر عتيا، أعقبها بمغادرة المسكن.. تمر وتمضي الساعات .. وحينما حل المساء عاد المتهم ، ، ولم يكن المجني عليه قد حضر بعد ، دلف إلي المرحاض ليغتسل دون أن تتطهر نفسه الخبيثة،، وما إن فرغ حتي حضر والده، خطا نحوه فألفاه يصف الطعام،، تجاذب أطراف حديث كان فيه ندا لوالده، وقع في براثن الخطيئة حينما احتد علي والده، وعندئذ.. استرق بصره سكين،، سولت له نفسه قتل أبيه، استل السكين، كال لأبيه المجني عليه طعنات غادرات، أي ولد هذا وأي فعلة تلك.
لم يتنبه المجني عليه ابتداء ، ولم يقوي علي الزود ختاما، إذ سقط أرضا، ونجله المتهم من فوقه جاثم، تزداد جروح المجني عليه متناثرة دمائه، ويأبي المتهم إلا أن يضف لجرحه آخر، سدد المتهم طعنة تلو الأخري، جاوزت خمس طعنات عددا،، استقرت بصدره وبطنه وساعده الأيمن فأحدث به عدة إصابات طعنية نافذة، لم يكتف المتهم إلا حينما استيقن وفاته،، وجثمان والده المجني عليه مثجي علي ظهره، شاخص بصره ،، صوب ابن لم يحفظ للنفس حرمتها، ولا الفطرة السليمة صبغتها،، وأتسائل وكأني أري المشهد رؤيا العين؟! كيف كان شعور الأب وهو يلفظ آخر أنفاسه في الحياة الدنيا، أن يطعن غيلة وغدرا علي يد نجله المتهم ، أن يري نفسه طريحا وقد خارت قواه،، ونجله المتهم من فوقه جاثم، يحمل سكينا، وهو بها هاو، طاعنا ممزقا جسده الضعيف،، أكان يستحق تلك النهاية من نجله المتهم؟! فهو في النهاية لم يطلب منه عونا أو مؤنا ، لم يسأله زادا أو متاعا،، وإنما أراد أن يسدي له من النصح ما يهده الطريق المستقيم، إلا أن المتهم أراد خلاف ذلك، إذ سفك الدم،، وما إن فرغ حتي عمد إلي التخلص من أداة جريمته الشنعاء،، حتي يختلق من الروايات الواهية، ما لا يقبله عقل ويأباه كل منطق،، إذ بعد أن ألقي بالسكين من شرفة المسكن ،، هاتف صديقا له " الشاهد الأول " مبلغا إياه إبتداء مرض والده،، راجيا إياه العون بإحضار سيارة اسعاف لإنقاذ حياة والده ،، زاعما بأنه لا يزال علي قيد الحياة.
حضرت سيارة الإسعاف ، وصعد طاقمها الطبي ، إلا أن المسعف " الشاهد الثالث " والذي كان قد هيأ نفسه قادما ليغن إنسانا عليلا،، الفي عوضا عن ذلك جثمانا مفارقا للحياة مليي بالطعنات، وهنا المتهم لم يصبح علي فعلته من النادمين، لم يكترت لجثمان والده، وهو يفترش الأرض، ولا لدمائه البريئة التي تناثرت في أكنافه، وإنما أراد أن يتعلق بأهداب واهية، فقص عليه، مدعيا بأنه ما إن خرج من المرحاض، حتي ألفي والده صريعا مصابا بطعنات، ولكن أبي لسانه فشهد ونطق بالحق، أنه هو قاتل أباه، وبحضور رجال الشرطة عاود المتهم الكرة، ليدعي أنه تنتابه حالات نفسية لا يدرك معها صنيعا، ولكن يشهد الله أنه ما أصابته آفة عقلية، وإنما احتنكه شيطانه فسفك دم أبيه وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.