ads
الجمعة 31 يناير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

يبدو أن هدنة غزة ليست نهاية أزمة الشرق الأوسط، أو القضية الفلسطينية كما كان يعتقد البعض أنها ستنتهي بمجيء ترامب الذي أعلن سلفا أنه سينهي الحرب قبل أن يدخل البيت الأبيض، لكن يبدو أن المعركة الحقيقية المصيرية للمنطقة بأسرها قد بدأت للتو، فترامب الذي يتحدث دوماً عن صداقته القوية التي تربطه بالرئيس المصري لا يستطيع أن يفرق بين العلاقات القوية بين البلدين، وبين القفز إلى المجهول عبر التعامل على كونه رئيس مجلس إدارة العالم، ففي الوقت الذي لم يمضي الرجل في الحكم أياما معدودات مارس جنونا وطرح أفكاراً تجعلنا نقول الحكمة الشهير عدو عاقل خير من صديق أحمق، دعم لم يكن بايدن صديقا لنا يوماً ما، لكنه، وإن اختلفنا معه، يدرك قدر مصر ومكانتها، بينما يواصل ترامب حماقاته بشكل هزلي لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق.

ففي الوقت الذي أنهى فيه ترامب العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، عاد أدراجه من جديد، مناصرا وبحمق إسرائيل، فلم ننس يوماً ما فعله في عهدته الأولى حين نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنح ما لا يملك لمن لا يستحق، حين إعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، ثم ها هو يعود لذات اللعبة، التي هزم فيها من قبل خاصة فيما يرتبط بمصر، التي أفشلت وبقوة صفقة القرن التي كان يتغني بها ترامب وصهره اليهودي الصهيوني كوشنر، ورغم نجاحه في التطبيع الشكلي لعلاقات عدد من البلدان العربية والكيان المحتل، إلا أن جملة مشروعه تحطم على الصخرة المصرية.

وإعمالا للحكمة الإلهية "وإن عدتم عدنا" عاد ترامب لممارسة لعبته من جديد وبشكل مبكر من عهدته الثانية، إذ عاد ليلوح لملف التهجير القسري للفلسطينيين في غزة لمصر والأردن، ورغم وضوح الرؤية المصرية والتي عبر عنها الرئيس السيسي وبشكل شديد الوضوح والصراحة، مؤكداً أن مصر لن تشارك أبدا في مظلمة تاريخية جديدة بحق الشعب الفلسطيني المظلوم عبر سبعة عقود مضت، طارحا صوت العقل متمثلاً في حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، كحل جذري سلمي كامل للصراع العربي الإسرائيلي، وحديث الرئيس السيسي صباح الأربعاء جاء صادقاً نابعاً من القلب، معبر بوضوح وجلاء عن موقف مصر من القضية برمتها، بيان رئاسي واضح جلي في مؤتمر صحفي عبرت تفاصيل ما بين سطوره عن استشعار مصر بمسؤولياتها التاريخية عن القضية المصيرية للمنطقة كلها، وأن ما يمسها يمس الأمن القومي العربي والمصري، وهو أمر لا مساس ولا تفريط فيه.
الرسالة الرئاسية سبقتها رسالة دبلوماسية في بيان رفيع المستوى شامل كامل غير منقوص عبر عن مكنون قلوب كل المصريين، صاحبه بيان جامع لمجلس النواب، والأزهر الشريف، وكافة القوى السياسية والنقابات المهنية، والرموز السياسية، وتفاعل حقيقي واضح وشديد الجلاء والدلالة من جموع المصريين بمختلف طوائفهم عبر عنه انشغال "التايم لاين" في كافة وسائل التواصل الاجتماعي بالقضية لمناصرة الرؤية المصرية.
وبينما واصل ترامب حماقاته ليلة الجمعة، كانت الرسالة السياسية والشعبية المصرية الأقوى في التاريخ للرد على التهديد المصيري الحاصل، وشديد الخطورة، إذ خرج المصريون بمئات الآلاف ليصلوا الجمعة عند معبر رفح، في الوقت الذي تنتشر فيه كافة تشكيلات الجيش المصري في سيناء، لتكتمل الرسالة وتتضح الصورة للجميع من أنه مصر رئيساً وحكومة وجيشا وشعباً يرفضون أي سيناريوهات معلبة، وأن مصر جاهزة للعب المباراة النهائية اي كانت المواجهة وأي كان العدو.
إن مصر التي كانت على مر التاريخ تلك الصخرة التي تحطمت عليها أطماع كل الغزاة، جاهزة للقيام بدورها التاريخي من جديد مهما كلفها ذلك، وأن مصر التي حاربت وحررت سيناء بدماء أبنائها، لن تضحي بذرة رمل من أرض سيناء، كما أنها ابدا لن تساوم أو تقايض على مصير القضية الفلسطينية، مهما تخلى عنها من تخلى.
وتبقى سيناريوهات مستقبلية مفتوحة لمواجهة حماقات ترامب تحتاج لتوحيد القوى العربية الباقية في مواجهة ترامب، فبجيش وقوة مصر العسكرية والشعبية، وبتأثير ونفوذ الحضور الاقتصادي الخليجي المؤثر، وبوحدة القرار والمصير العربي ستتخطى مصر من جديد عقبة ترامب الذي يهوى لعب المقامرات السياسية والصفقات، ولا زال حتى الآن رغم في مرحلة جس النبض وبالونات الإختبار.

ويبدو أن جنون ترامب وحماقاته التي مارسها مع بنما وكندا وحرين لاند والمكسيك وكولومبيا، وأوروبا وأوكرانيا، والناتو والاونروا ومنظمة الصحة العالمية، والتي تسببت في تلقيه صفعات متتالية من كل هؤلاء رداً على حماقاته، وسيتلقى صفعة قوية وخطيرة من مصر التي وصلت في التعامل مع الأزمة في الشرق الأوسط إلى المستوى الأخير، والمواجهة أضحت على المكشوف، فبعدما كانت تواجه إسرائيل المرعوبة من مصر وتحركاتها ووجودها القوي في سيناء، أضحت الآن في مواجهة أمريكا، التي وصلت ببجاحتها إلى حد التهديد والوعيد.
إن الرسائل المصرية الواضحة القوية، قادرة كما نجحت في إسقاط صفقة القرن، قادرة على إفشال دعوة ترامب الأحمق للتهجير للفلسطينيين من غزة، والوصول معه لحل تاريخي للقضية الفلسطينية.

تم نسخ الرابط