ads
الأحد 02 فبراير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

المستشار علي الهواري: المرافعة مهارة البيان لحديث وقر صدقه في يقين قائله ليبلغ به يقين من استمع إليه

المستشار علي الهواري
المستشار علي الهواري

على مر العصور، ظلت المرافعة أداة العدل وصوت الحق، تتجلى فيها الفصاحة، قوة الحجة، والإقناع بلا إملال، ومنذ أن سجلتها جدران المعابد والبرديات في مصر القديمة وحتى العصر الحديث، تطورت المرافعة من وسيلة للدفاع إلى فن قائم ذاته، يتطلب الإعداد، المعرفة العميقة، والقدرة على التأثير.

قال المستشار علي الهواري رئيس المكتب الفني بمحكمة استئناف القاهرة، رئيس محكمة جنايات القاهرة، أن الحديث عن مرافعة النيابة العامة، لابد معه من استرجاع المرجع في ذلك وهو العالم محمد باشا علي علوبة، إذ قال عنها" المرافعة ليست البلاغة فحسب، إنما هي فن خاص، قوامه سهولة التعبير، ونظام التفكير، وقوة الحجة، وإقناع القضاة بلا سأم".

وقال عنها عبقري المرافعة الفرنسي هنري روبير، "هي الفصاحة، والتمثيل الرائع، كالورقة الكاسبة الرائجة والمطرقة التي تصيب هدفها، هي كعصا موسى تلقف كل كيد بلا تعقيد"، وقال عنها المستشار سمير بك ناجي –رحمه الله-" هي قوة تغري أّذان القاضي بالاستماع إليها، فيصغي لها، وينعطف بها إلى رأي ملقيها".

وأضاف المستشار علي الهواري خلال  أعمال الندوة الخاصة بإطلاق النيابة العامة للإصدار الأول من كتاب "فن المرافعة" بأنه يصفها بأنها" مهارة البيان، لحديث وقر صدقه في يقين قائله ليبلغ به يقين من استمع إليه".

استرجع المستشار الهواري تاريخ المرافعة، قائلا: فهي موغل في القدم منذ عصور الأشوريين والمصريين القدماء، نقله المؤرخون، وسجلته البرديات وجدران المعابد.

وامتد إلى العصر الإغريقي، الذي لم يترابفع خلاله إلا الشرفاء أمثاء جور جباس، الذي صنع له تمثال من ذهب، ثم جاء الإسلام فجسد مبدأ رسوخ الحضارة بإقامة العدل، فلا حضارة بلا عدل، ولا عدل بلا مساواة بين الخصوم، ولا سماع لادعاء دون سماع الدفاع.

استطرد المستشار الهواري قائلا" ثم توالت دول بين النور والظلام، حتى بزغ نور العصر الحديث بدساتيره وقوانينه ومبادئ قضائه التي رفعت شأن المرافع، واستقرت على أن الحكم الذي يصدر من قضاة لم يسمع أحدهم للمرافعة هو حكم باطل.

وظهر أقطاب المرافعة، محمد باشا علوبة، وذكي باشا عريبي، ومكرم باشا عبيد، ثم سمير بك ناجي، ومن نشرف بحضوره الاستاذ بهاء أبو شقة.

أكد المستشار الهواري أن المرافعة إذا كانت فنا، فإنه يجب الاستعداد والإعداد لها وإدراك عدة نقاط أهمها:

أولا: الإيمان المطلق بحقيقة موقف المترافع من الدعوى، لأنه نجاح للمرافعة إلأا بقناعة ملقيها بكل ما ينطق به.

ثانيا: الدراسة الدقيقة للقضية، بالوقوف على وقائع الدعوى، وانطباق أحكام القانون عليها وتوافر الأدلة القاطعة لها، أو نفيها بالنسبة للدفاع.

ثالثا: الاستعداد لما سوف يبديه الخصوم، بالمادرة بطرحه وتحديد سبل تفنيده توقيت والتعقيب عليه.

رابعا: الاستعانة بالمراجع البليغة: 

**القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، بلا اسقاط.

**أقوال الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهج البلاغة

**أقوال أئمة الصوفية، ابن عطاء السكندري، وأبو يزيد البسطامي.

**أقوال المجاهد الأكبر عمر المختار

**مرافعات العظماء السابقين.

الإعداد الكتابي للإلقاء الارتجالي:

**كتابة المرافعة  وإعادة قراءتها أكثر من مرة.

**تسجيل المرافعة وإعادة سماعها.

أضاف المستشار علي الهواري قائلا بأن للمرافعة موجبات لحسن عرضها منها:

  1. حسن المظهر بارتداء المترافع للزي المقرر له.
  2. أداب مخاطبة القضاة، بعدم التحدث بطريقة المعلم، بل بأسلوب الملتمس.
  3. تسلسل العرض، عرض المقدمة والوقائع بإيجاز، وبلا سجع أو إطناب زائد، ثم بيان انطباق حكم القانون بالأدلة معا وبدمجهما.

أعطى المستشار الهواري مثالا لذلك، بأنه عند الحديث عن القتل فيكون العرض بذكر كل عنصر مع أدلته مثل نية القتل ثم الانتقال إلى ما يليه وهكذا ثم الخاتمة بإيجاز.

  1. المحافظة على الوقت، فيكون العرض في مدة مناسبة، ومراعاة عدم الخروج عن الموضوع أو التكرار الزائد.

طريقة إلقاء المرافعة

أوضح المستشار علي الهواري أن للمرافعة أصول في طريقة الإلقاء وأهمها ما يلي:

  1. استخدام اللغة العربية الفصحى شفاهة في الأساس، ارتجالا دون حفظ أو تلاوة، وتفادي الأخطاء في اللغة أو النحو، ولا مانع من استخدام العامية نقلا عن قول متهم أو شاهد، إذا لزم الأمر.

وأعطى المستشار الهواري مثالا لذلك عن قول متهم" احنا كنا بنهاجم الناس دي في مجموعات في منطقتهم من غير ما نعرف مين اللي بنقتله، هو مين أو بيشتغل أيه، المهم إنه من أهل المنطقة دي" وذلك في إثبات وقوع جريمة من الجرائم النادرة وهي مهاجمة عصابة لطائفة من السكان.

  1. عدم التعرض للخصوم في أشخاصهم، بأن نقول" فعله الفاسد وليس رجل فاسد"، ويكفي وحدة فعلهم دون أشخاصهم، ولكن لا جناح إذا تم تناول الخصم فيما وصفه عن نفسه، مع استخدام أسلوب للتشويق".
    مثال: في إحدى قضايا التنظيمات، وقد امتدح المتهم نفسه بغرور بأنه عبقري، وأنه أفضل أقرانه علما وبعدد شهاداته التي حصل عليها، وكان موضوعها تفجير عبوة ناسفة في قطار الصعيد ولم يعرف لفعله سندا شرعيا لإزهاق أرواح الركاب الأبرياء.

استخدام الأسلوب الاستفهامي في التشويق، بعبارة ماذا أجاب هذا العالم، ماذا تتوقعون إجابة هذا العبقري، بماذا.. بماذا، لقد أجاب بصراحة معرفش، ولكنه أمر مطاع.

  1. الأداء الحركي والنظري والصوتي المناسب

*استخدام الإشارة وحركات الأيدي والجسم.

*مواضع جلجلة الصوت.

*متابعة النظر للحاضرن وتوزيعه عليهم.

*الاتصال البصري مع المحكمة، ومراقبة تفاعلهم، واستنتاج رغبتهم في الاكتفاء أو التركيز في نقطة معينة أو الانتقال إلى غيرها. 

4-  استخدام عبارات البلاغة في موضعها.

مثال عند الحديث عن خيانة العهد" كمن يعاهد بكف يديه ويغدر بسبابته"، وعند الحديث عن فعل أسوأ من الباعث" لقد كان يفعله كمن أراد أن يطفئ نارا شبت في بيته فأغرقه بالماء"

 

صفات المترافع

أوصى المستشار الهواري في نهاية كلمته بأن ينمي المترافع في نفسه الصفات الآتية.

  1. صدق الحديث
  2. استخدام لغة المرافعة
  3. حسن الخطابة
  4. كسب انتباه الحاضرين
  5. الثقة في النفس
  6. قوة الحجة والاقناع
  7. سرعة البديهة

واسترجع المستشار الهواري سرعة البديهة ما سمعه عن المحامي الموهوب وهيب باشا دوس، وكان مدافعا في قضية تمس الحريات ومصادرة إحدى الصحف الوطنية، وتوفى والده في أسيوط في اليوم السابق لنظرها، ولما وجده القاضي حاضرا وسأله عن ترك عزاء والده قال:

تركت مأتم أبي في ساحتنا، لأحضر مأتم الحرية في هذه الساحة، وإني على أمل أن تتبدل الساحة عرس إحيائها بحكمكم العادل.

 

تم نسخ الرابط