حينما يتعانق الحقد مع الجهل يصاب من جمعهما بداء عضال، يصعب التخلص منه، لأن صاحبهما ناقم على القدر، طالب أن تكون الدنيا طوع أمنياته، وحينما تعجز القدرات عن حمل الطموحات فستجد العجب العجاب.
والمرض النفسي أشد خطرا من العضوي، إذ العضوي مع ضراوته تنفع معه العقاقير ولو بنسبة، وصاحبه يدرك مرضه ولو أنكره، أما النفسي فغير مرئي، وربما اعتقد صاحبه أنه أيقونة العقل ومنبع الذكاء.
آفة الكثير منا ـ وما ابرىء نفسي ـ ، أنهم ينظرون إلى المشكلات من أسفل فيرونها كبيرة، ولو استعلوا لرأوها صغيرة، وإن كانت خلاف ذلك، فلو استعلينا وارتقينا لهانت كثير من مشكلاتنا في أعيننا، ولنعلم أننا نعيش دنيا متقلبة غرورة، ولو كانت دار قرار لما زال عنها العظماء والعلماء، ولا زالت عنهم.
إن المرأة التي جمعت بين الشرك والأنوثة لما رأت الحق في جانب نبي الله سليمان فاءت إليه، قال تعالى في سورة النمل:
{قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (٤٤)}
وبين الحق تعالى سبب إعراضها قبل ظهور الحق فقال:
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَٰفِرِينَ (٤٣)}
ولذلك خلد الله ذكرها لا لأنها ملكة سبأ، بل لأنها أذعنت للحق وصدقت، وٱمنت مع سليمان لله رب العالمين.
تلك صورة كاشفة لمن ترك الحقد والجهل، ولو أنها فعلت فعل الملوك الذين لا ينزلون لأحد، لقادت أتباعها إلى الهاوية وحملت وزرهم جميعا، وما أغنى عنها ملكها شيئا.
والصورة الملازمة لمن جعل الحقد والجهل قائده ينقلها ربنا تبارك وتعالى حيث قال في سورة الأنعام:
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)}
ومن أجمل ما قال أستاذنا الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي تعليقا على حقد وجحود المنافقين واليهود، وإعراضهم عن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: لم يكن إعراضهم عن دعوته لشبهة يزيلها الدليل، ولكنه إعراض سببه الجحود والحقد، والجاحد والحاقد لا ينفع معهما دليل أو برهان.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.