فقدت جريدة "الجمهورية" واحدًا من أبرز رواد جيلها الذهبى، وهو الدكتور لطفى ناصف نائب رئيس التحرير الأسبق.
عرفت الدكتور لطفى ناصف عن قرب منذ التحاقى بالجريدة عقب تخرجى فى كلية الإعلام جامعة القاهرة سنة 1994.
لا أدعى أننى كنت قريبًا منه، فعملى بالجريدة كان فى منطقة بعيدة تماما عن مجاله، ولكن أذكر موقفًا مؤثرًا جمعنى به، ولا يمكن أن أنساه.
....................
ففى ذات يوم قرر الأستاذ سمير رجب وكان رئيسًا لمجلس إدارة المؤسسة ورئيسا لتحرير "المساء" تشكيل لجنة لمراجعة موقف المتدربين بالمؤسسة وتحديد صلاحيتهم.
- كنت فى تلك الفترة أعمل بشكل مباشر مع الاستاذ سمير، وكان يكلفنى بإجراء حوارات صحفية مع العديد من الشخصيات العامة.
- طرأت فكرة تشكيل اللجنة فى أحد أيام الأحد، وكان هذا موعدنا الأسبوعى لتناول الغذاء مع الأستاذ سمير رئيس تحرير "المساء" فى مكتبه بالدور الثالث من المبنى القديم، وكنت أنا المتدرب الوحيد الذى يدعوه الاستاذ سمير رجب لحضور هذا اللقاء الأسبوعى للاتفاق على خطة الحوارات الصحفية المطلوبة.
- نظر لى الاستاذ سمير رجب وأبلغنى بأننى مستثنى من المثول أمام "لجنة التقييم" لأننى أعمل معه بشكل مباشر، ويعرفنى جيدًا ويعرف قدراتى فى العمل.
....................
تشكلت اللجنة برئاسة الأستاذ الكبير محمد فوده - رحمه الله رئيس تحرير المساء فيما بعد - وحددت مواعيد لمقابلة الزملاء المتدربين عدا أنا بناء على تعليمات رئيس مجلس الإدارة.
ورغم هذه الثقة الكبير التى حظيت بها، إلا أننى أبلغت الأستاذ محمد فوده برغبتى فى الخضوع للتقييم من جانب اللجنة، شأن كل زملائى، وكانت تضم نخبة من كبار الأساتذة، أذكر منهم الأستاذ السيد عبد الرؤوف والدكتور لطفى ناصف وغيرهم، رحمهم الله جميعًا.
....................
وفى اليوم المُحدد حضرت أمام اللجنة .. وتقريبًا لم يسألنى أحد عن شئ لأنهم جميعًا كانوا يعرفوننىى ويتابعون أعمال الصحفية التى تملأ صحف الدار، وكان اللقاء فى مجمله تبادل للتحية والابتسامات وإشادة بموضوعاتى.
- وفى هذه الأجواء اللطيفة .. كانت المفاجأة!
حيث تعرضت لسؤال مباغت من أحد الأساتذة، الذى سألنى عن "مواصفات الصحفى الجيد من وجهة نظرى".
- وببراءة الشباب، ودون تقدير لعواقب الإجابة، وردود الأفعال المُحتملة، وعدم قراءة الخلفيات العلمية لأعضاء اللجنة .. وهم من الأساتذة الكبار وأغلبهم لم يدرس فى كلية الإعلام، قلت باندفاع شديد:
- لازم يكون دارس للصحافة.. ويُفضل أن يكون خريج كلية الإعلام.
وأضفت: الصحافة أصبحت علم .. وليست مجرد هواية .. وفى العالم كله توجد كليات ومعاهد لتدريس الصحافة .. ولا يصح فى هذا العصر أن يكون الصحفى غير دارس لهذه العلوم بشكل علمى.
ولم أكتف ذلك، بل واصلت حديثى بطريقة استفزت الكثيرين، وقلت: اشمعنى يعنى الصحافة التى تقبل ناس لم يدرسوها فى الوقت الذى تشترط فيه كل المهن ضرورة الدراسة مثل الطب والهندسة؟
- ثارت ثورة أحد الأعضاء - دون ذكر اسمه - وانفجر فى وجهى صارخًا: أنت بتقول إيه؟
يعنى انت مش معترف بواحد زى "هيكل" وهو غير دارس فى كلية الإعلام؟
- قاطعته قائلا: لا .. طبعًا الصحافة علم يجب دراسته مع توافر كل هذه المؤهلات، والموهبة ليست بديلا عن الدراسة.
كان ما قلته كفيلًا بأن يثير براكين الغضب فى وجهى، وحدث جدل شديد فى اللجنة وردود أفعال غاضبة على رأيى الذى أبديته دون كياسة غير مقدر عواقب الموقف على "متدرب" يواجه أساطين الصحافة فى مؤسسته.
..................
- وهنا تدخل الدكتور لطفى ناصف لتهدئة الموقف موجها حديثه لأعضاء اللجنة قائلا:
خلاص يا جماعة هو فى إيه؟ ده رأيه وهو حر فيه .. هو دارس إعلام ومن حقه يقول اللى هو شايفه.
تقريبًا كان الدكتور لطفى ناصف - إلى جانب الاستاذ محمد فوده - هو الوحيد الذى تبنى وجهة نظرى وتولى الدفاع عنى فى مواجهة عواصف النقد التى تعرضت لها.
وانتهى اللقاء بقبولى طبعًا، وكانت المسألة محسومة مسبقًا مع الأستاذ سمير رجب .. ولكنى خرجت بدرس وموقف لن أنساه مع الراحل الكبير الدكتور لطفى ناصف رحمه الله وغفر له وجميع أساتذتنا الكرام وأدخلهم فسيح جناته.