ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

هذه سلسلة من الخواطر التي لا جامع لها إلا واقع مأزوم لم يعد فيه للكلام المرسل وزن؛ فالفعل أرجى وأقوى.

 لذا أكتب هذه الخواطر من وحي أزمة منبعها إقليمي وطائلتها عالمية؛ فآثرت عرضها على هيئة نقاط:

• العدوان الحاصل على غزة تعبير واضح عن صراع إرادات شتى لا تجتمع إلا على شيء واحد: استخدام الوكلاء لإنهاك الرعاة.• كل الأطراف مندفعة بلا حساب ولا أهداف؛ والمنطق في ذلك عند الطرف الأضعف بحساب الإمكانات: "ليس لدي ما أخسره"، وعند الطرف الأقوى بحساب القدرات: "كل شيء مباح في الحرب"!

• أصحاب التماس الجغرافي مع بؤرة الصراع يكابدون الأمرّين؛ وغيرهم لا يبالون إلا بدعم محدود مقدم – وحسابات "الطرف الأقوى" عندهم لها الاعتبار المقدم.• عندما نادت أوكرانيا جاشت لها صدور وجيشت لها بلدان، وعُسكِرَت لها ميزانيات؛ واستُدعيت لها ولإسرائيل "صلاحيات الطوارئ" لتمرير ما يلزم من مساعدات شتى دونما رقابة قانونية أو موافقات برلمانية بالضرورة – لكن "حال الطوارئ" في أي بلد آخر هو معيار الحكم عليه!• المصلحة هي المعيار الأوحد في هذا الكون؛ ولن تتغير بوصلة السياسية في البلدان الكبرى إلا بتغير المزاج الشعبي؛ حتى يصير تصريح السياسي وعمله رهينًا برضا ناخبيه في اتجاه معين.

• الثروات العربية بعضها نعمة وبعضها نقمة، والجامعة العربية تكاد تتحد موافقها الجماعية وهي غير مؤثرة، فيما المواقف الفردية لدولها هي المحك الحقيقي والفاعل المؤثر.• الوكلاء (أو: الجهات الفاعلة من غير الدول) هم"المُسَيّرات البشرية" للدول التي ترغب عن الحرب المباشرة؛ واتساع دورها في الشرق الأوسط باعث على قلق شديد.

• النأي عن التدخل بظن البُعد تفكير معيب (انظر الناقلة النرويجية المستهدفة في باب المندب وهي في طريقها إلى إسرائيل)، والتأميل في السيادة بفعل القرصنة البحرية جهل شديد، ولكل سوءاته وخواصر ضعفه التي يرتجي ألا تنكشف!

• محور النضال المسلح ضد إسرائيل بالمنطقة مال إلى "مسيرات بشرية" إيرانية الهوى (والولاء أحيانًا)؛ ومع ذلك فالغرب مُصِرّ على الحديث عن "الإرهاب السني"!

• المساحة الإعلامية للسردية الفلسطينية (وداعميها) صار لها حضور أقوى عالميًا على الرغم من المحاصرة والتعتيم والتزييف المتعمد.

• إسرائيل لن تتراجع حتى تصبح عبئًا بالغ الثقل على داعميها، وحتى تتصدع من الداخل.

• بعض البلدان العربية والأوروبية صوت صمتها في العدوان على غزة أعلى من صوت القصف!

• كيف لا توجد منظمة عربية باسم راشيل كوري؟ لا غنى للقضايا العربية عمومًا وللقضية الفلسطينية خصوصًا من التشبيك الدولي الفعال مع كل من له مصلحة معنا أو له رأي قريب من رأينا نحن في عصر التكتل، لا التفتت.

• العدوان مهْرَب الجبان، والتهجير حلم عسير.

• قال أفروم برغ، رئيس الكنيست الأسبق: "تبيّن أن ألفي عام من نضال اليهود من أجل البقاء قد انتهى لا إلى شيء إلا حالة عامة من المستوطنات التي تديرها طُغمة عديمة الأخلاق من الفاسدين الضاربين بالقانون عُرض الحائط؛ فصاروا يصمون آذانهم عن مواطنيهم كما يصمونها عن أعدائهم. 

وليس لدولة الظلم أن تبقى أو تدوم. لن يجدي هذا نفعًا حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وكتموا غضبهم إلى الأبد، ذلك بأن البناء القائم على قسوة القلوب محتوم بالانهيار من الداخل... لقد توقفت إسرائيل عن الاهتمام بأطفال الفلسطينيين، فليس لها أن تُفاجَأ بهم وقد كبروا وجاءوا بنفوس تموج بالكراهية كي يفجروا أنفسهم في حواضر إسرائيل التي هي محض مفر كبير".

• إسرائيل تخوض حربًا عسكرية هربًا من الحلول السياسية، والفلسطينيون يخوضون حربًا سياسية درءًا لاستمرار الأعمال العسكرية.

• المقاومة الفلسطينية تسعى إلى استنزاف عدوها نفسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا؛ وإسرائيل تسعى إلى قهر عدوها ببطش يُفقدها المناصرة الشعبية الدولية.

• وصف "طوفان الأقصى" وتبعاته بعبارة "التحوّل الدهري" رهين بالمآلات – لكن كل الأحداث الإيجابية الكبرى في هذه المنطقة لها سابقة مصرية: وما تحريك الموقف "عسكريًا" في ٧ من أكتوبر مسبوقًا بخداع استراتيجي إلا استنساخ للتجربة المصرية في ٦ من أكتوبر ١٩٧٣.

• الولايات المتحدة تزعم رعاية حقوق الإنسان في العالم، ومع ذلك فهي صاحبة قرار النقض (فيتو) الأوحد في تاريخ الأمم المتحدة لمشروع قرار يطلب وقف إطلاق النار لدواعي إنسانية!

• المقاومة الفلسطينية تشن حرب أغوار (المصطلح الأشهر لها "حرب العصابات")، وانتصار محاربي الأغوار يكون بعدم الهزيمة، أما الجيش النظامي فكل نتائجه خسارة إذا لم يحقق النصر الكامل.

• على الشعب الفلسطيني أن يفرز قيادات جديدة على كل الأصعدة، ولاؤها للقضية لا لأبعاد إقليمية/دولية.

• انهارت حكومات إسرائيلية كثيرة على مدار عامين، وظلت الحكومة الإسرائيلية عصية على التشكيل قبل "طوفان الأقصى" لنحو نصف عام؛ ومع بداية العملية اتحدت الجبهة الداخلية الإسرائيلية (مؤقتًا) وتناسى رافضو التعديلات القضائية موقفهم وعاد معظم رافضي الخدمة العسكرية (الاحتياط)؛ فيما يظل الفلسطينيون -حتى الساعة- على فرقتهم وولاءاتهم الموزعة سياسيًا وفكريًا وإقليميًا وشخصيًا.

• تصفية الحسابات إعلاميًا أصبحت السمة العامة لكثير من وسائل الإعلام العربية/الإقليمية الرسمية وغير الرسمية؛ وكثير من منقوصي الوعي ينفس غضبه بالحَمْل على بلده ومسئوليها.

• الإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي في استباق "طوفان الأقصى" هو محل النظر الحالي والمساءلة المقبلة؛ أما الواجب فهو النظر في الإخفاق السياسي في استشراف الانفجار "الإنساني" لمظالم استمرت عقودًا.

• الجيوش "الذكية" ما زالت دون الحقيقة الواقعة، والدعاية بخصوصها تظل كذلك إلى حين – مجرد "دعاية".

• الأوطان لا تسقط بالتقادم، والتفوق وحده لا يحفظ الظالم، والمظلوم أولى بقضيته، واللاهون بالمسيّرات البشرية يسقطون أمام التلويح بالمصالح.

• تمخّض العالم أجمع فولد ٢٠٪ من مساعدات غزة، وبذلت مصر القوام الأعظم منها – لا منة ولا هبة؛ بل صدقًا ومحبة.

• كثير من المساعدات المصرية لفلسطين غير معلنة، ويدخل فيها الضغط السياسي، والتنسيق الدولي، ورعاية المصالح في الخارج، وفرص التعليم في شتى المراحل، وتيسير إجراءات الإقامة، وغيرها – لا منحة ولا صدقة، بل شرفًا وهمّة.

• العالم أجمع يتسابق إلى مستوى جديد من التطرف– فكريًا وسياسيًا ومصلحيًا واقتصاديًا... فما عاد الحياد يُجدي، وما عاد الاعتياد يُرضي.

• المقاومة إذا حادت عن البوصلة الوطنية إلى الاستتباع أصبحت جماعة وظيفية؛ كصاحب المهارة إذا ابتغى صاحب العرض الأعلى. وتلكم فكرة الفرد الوظيفي والجماعة الوظيفية.

• من كان له وطن فليحفظه بدمه، ومن كان عنده "دم" فلا يبخل به على وطنه، ومن له وطن مصون ودم ومحفوظ فليحمد ربه حمد الفاعلين؛ لا حمد التاركين.

• التباري بين الخطوط العسكرية يقتضي القصف، والتباري بين الخطوط الفكرية يقتضي العصف –فإذا أخذك العصف الفكري إلى تشويه نفسك وبلدك وثقافتك فاعلم أنك على الخطأ مهما عددت المبررات، وكذلك الحال إذا أخذك إلى التسليم لخصمك. هذه الحال أسبابها نقص الوعي وضعف البناء الفكري الناقد.

• من قبيل التشكيك والتشويه والتنفير الزعم بمشاركة مصر في الحصار وإغلاق معبر رفح؛ والحقيقة أن المعبر غير مغلق، وأنه معد لحركة الأفراد لا البضائع! ومع ذلك تُدخِل منه البضائع والأفراد. فما الداعي للتشويه؟ أن للقطاع ٦ معابر مع دولة الاحتلال المسئولة قانونًا عن الأرض التي تحتلها، لكن صرف الانتباه عن تلك المسئولية لا يكون إلا بتشويه الغير! فهل المطلوب أن نعفي المحتل من مسئولياته؟! افهم الصورة الكاملة قبل أن تنزلق إلى وحل التشويه وتناقل كلام العدو – حتى وإنْ قاله لك من تثق فيهم وتحبهم!

• إفقادك الثقة في نفسك وثقافتك وبلدك ودينك يجعلك مكشوف الظهر عند ملاقاة الغير؛ وهذا هو مراد عدوك: أن تلقاه بفكر المنهزم وروح المستسلم وظهر مكشوف ووعي منقوص – أي أن تلقاه مهزومًا قبل النزال.

• ليس كل مأزوم مهزوم، بل كل مهزوم مأزوم... ومن سمح لعدوه باختيار مسرح النزال وتوقيته وموضوعاته فهو مأزوم الفكرة مهزوم النفرة.

عاشت فلسطين الوتد، وعاشت مصر السند

تم نسخ الرابط