نقاش حول نصر أكتوبر المجيد بالمجلس الأعلى للثقافة
أقام المجلس الأعلى للثقافة، برئاسة الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، وبأمانة الدكتور هشام عزمى، حلقة نقاشية بعنوان: «حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر 1973م فى القانون الدولى»، والتي نظمتها لجنة ثقافة القانون والمواطنة وحقوق الإنسان ومقررها معالي المستشار الدكتور خالد القاضي رئيس محكمة الاستئناف ، وقد شهدت الحلقة حضور كبير، وشارك فيها كل من: الدكتور أحمد رفعت؛ أستاذ القانون الدولى العام؛ والدكتور جميل حليم؛ عضو مجلس الشيوخ، والكاتب الصحفى عبد الرازق توفيق رئيس تحرير صحيفة الجمهورية.
افتتح معالي المستشار الدكتور خالد القاضى الحلقة مقدمًا التهنئة للشعب المصرى وقواته المسلحة بحلول ذكرى نصر العاشر من رمضان المجيد الموافق السادس من أكتوبر عام 1973م، واستطرد قائلًا: "من مقر المجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة المصرية فى يوم العاشر من رمضان عام 1445هـ الموافق 20 من مارس 2024م نبدأ الحلقة النقاشية بعنوان: (حرب رمضان أكتوبر 1973م فى القانون الدولى"، وعقب انطلاق السلام الوطنى لجمهورية مصر العربية تابع القاضى قائلًا: "السيدات والسادة ضيوفنا الكرام اسمحوا لى أن نرحب فى هذه الحلقة النقاشية المهمة برموز مصر من العسكرية المصرية والمخابرات العامة وأساتذة القانون الدولى وأعضاء مجلس النواب والشيوخ، وكذلك من الصحافة والإعلام، ومن الأشقاء العرب ومن وزارة الخارجية ومن منظمات المجتمع المدني الفاعلة، علاوة على أساتذة الجامعات والباحثين، وأساتذة الأدب والنقد والإعلام والتعليم، بجانب رموزنا من الكنيسة المعمدانية التى تمثل الجناح الثالث للمسيحية المصرية، وسائر الحضور الكرام من كل فئات المجتمع نرحب بحضراتكم جميعًا فى هذه الحلقة النقاشية، التى أحسبها واجبًا وطنيًا مقدسًا لجميعنا؛ فكلنا نعلم ماذا حدث فى نصر أكتوبر المجيد، كما نعلم الأبعاد المختلفة لهذه الحرب الدفاعية، ومقدماتها وما سبقها، وفعالياتها وما تلاها ومشروعيتها الدولية القانونية المهمة، والدروس المستفادة منها فى الحروب التالية"، وواصل المستشار خالد القاضى كلمته الافتتاحية قائلًا "قبل هذا وذاك لم يعرف شباب مصر الرائع شهر أكتوبر جيدًا؛ فمنهم من لا يعلم عن السادس من أكتوبر غير أنه مسمى للجسر الشهير بالعاصمة المصرية، يجب أن يعرفوا أن حرب أكتوبر فاصلة فى التاريخ المصرى المعاصر".
ثم تابع كلمته قائلًا: "نهدى أعمال هذه الحلقة النقاشية إلى أرواح شهداء ومصابى حرب أكتوبر، أولئك البواسل الذين بذلوا دمائهم الزكية الطاهرة، وسائر الأبطال قادة وجنود نصر العاشر من رمضان الذين حققوا مجدًا فريدًا لمصرنا الخالدة الغالية أبدًا، وإلى الأجيال الشابة من المجندين المصريين الذين يتدارسون هذا النصر المظفر، يفاخرون بما حققه الأباء المنتصرون أمام العالم عبر السنين، ثم أولئك قادة الجمهورية الجديدة يتباهون بنتائج نصر أكتوبر من كرامةٍ وعزةٍ وسؤدد. نحتفل اليوم العاشر من رمضان بتلك الحرب التى حققت فيها قواتنا المسلحة الباسلة نصرًا مظفرًا واستردت كرامة المصريين وقادها بحكمة ووعى زعيم مصر الرئيس المؤمن محمد أنور السادات رحمه الله، واسمحوا لى أن نقف دقيقةً حدادًا على روحهِ الطاهرة، الرئيس السادات الذى قال فى خطاب النصر: "ربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر أو نتباهى ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل قصة كفاح ومشقة مرارة الهزيمة وأعلامها وحلاوة النصر وأمله، أحسب أن كثيرًا من الباحثين لم يتطرق بالتحليل الدقيق إلى أمر مهم، وهو مشروعية حرب أكتوبر فى القانون الدولى، قبل أن ألجأ إلى هذا أحب أن أنبه إلى شىء مهم جدًا، ألا وهو أنه خلال هذه الحرب لم تسجل دفاتر وزارة الداخلية المصرية جريمة واحدة! توقفت الجريمة! معنى هذا أن حتى المجرمين نفسهم كانوا يسعون لاسترداد كرامتهم الجريحة، لن أتحدث اليوم كباحث فى القانون الدولى عن مشروعية حرب أكتوبر، ولكن سأرجع هذه الورقة البحثية التى أعدتها لما بعد أن نستمع إلى أهم قامات وطنية عسكرية مخابراتية ودولية وصحفية وإعلامية وبرلمانية؛ فهؤلاء الذين يزينون المنصة الآن يتقدمهم أحد قادة حرب أكتوبر، وهو معالى الفريق أسامة المندوه، الذى لا تكفى كتابة مجلدات ومجلدات للوفاء بحق هذا الرجل لما قدمه لمصر من خدمات فى ساحات المعارك الحربية أو الدبلوماسية المصرية، ذلك حينما كان قنصلًا عامًا فى عقر دارهم فى إسرائيل، ثم بعد أن تولى قيادة إحدى أهم قطاعات المخابرات العامة المصرية، وحتى الآن نراه عبر شاشات التلفاز فى قنواتٍ كثيرة جدًا مدافعًا عن الحق، غيور على مصالح الوطن، دؤوبًا فى إظهار مواطن العزة والكرامة فى حرب أكتوبر المجيدة".
ثم ذهبت الكلمة إلى اللواء أسامة المندوه أحد أبطال حرب أكتوبر الذى تحدث عن دوره فى نصر العاشر من رمضان هو ومجموعته خلف خطوط العدو، تلك المهمة التى كان مخططا لها تسعة أيام فقط، لكنها تعدت ذلك بكثير؛ فقد استمرت طيلة ستة أشهر كاملة، قام خلالها مع زملائه بمد القيادة العامة بالمعلومات والتقارير اليومية عما رُصد من أنشطة للعدو وتحركات من وإلى الجبهة، مما أهّله إلى نيل العديد من الأوسمة والتكريمات وعلى رأسها وسام النجمة العسكرية عن دوره في حربى الاستنزاف وأكتوبر، كما تناول فترة خدمته كقنصل عام لمصر فى إسرائيل قرابة الخمسة أعوام، وقد أدار خلال تلك الفترة مناقشات عدة مع عدد من العسكريين الإسرائيلين وكذلك السياسيين هناك، وكان يخبرهم أن أهم ما غاب عن تقديرهم هو إدراكهم لطبيعة الجندى المقاتل المصرى، وما لديه من استعداد كبير للتضحية، وإيمانه العميق بالقيمة العظيمة لمهمة تحرير أرض الوطن حتى وإن كانت روحه هى الثمن، لذا حققنا النصر وعبرنا القناة بتخطيط وتنفيذ فاق كل التوقعات
فيما تحدث الدكتور أحمد رفعت موضحًا أن القانون الدولى قد صنف الحروب إلى عدة أنواع، وذلك استنادًا إلى الظروف والعوامل المحيطة بها، وأشار إلى أن أبرز أنواع الحروب فى القانون الدولى تتمثل فى:
الحرب الدفاعية: تشمل الحروب التى تُشن للدفاع عن الأراضى والسكان والسيادة الوطنية من أى هجوم خارجى؛ حيث يُعتبر استخدام القوة فى هذه الحروب قانونيًا فى إطار الحق الدولى، وخير مثال للحرب الدفاعية حربنا ضد العدو الإسرائيلى فى العاشر من رمضان والتى تكللت بالنصر العظيم، وتابع متناولًا قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذى تم اعتماده فى 22 نوفمبر 1967، والذى دعى إلى انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها فى حرب الأيام الستة فى يونيو 1967؛ حيث يُعد هذا القرار دليلاً آخر من القانون الدولى على مشروعي حربنا تلك، ذلك القرار الذى طالب بإقامة سلام دائم وعادل فى المنطقة، ويؤكد على حق كل دولة فى المنطقة فى العيش فى سلام وأمان مع حدود آمنة ومعترف بها دوليًا، وتابع الدكتور أحمد رفعت معددًا بعض تصنيفات الحروب وفقًا للقانون الدولى، ومنها: الحرب العدوانية: وهى تحدث عندما تقوم دولة بشن حرب ضد دولة أخرى دون وجود تهديد مباشر أو هجوم سابق، ويُعتبر استخدام القوة فى هذه الحروب غير قانونى ومُعترف بها باعتبارها انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة، كما لدينا نوع آخر ألا وهو: الحرب الأهلية: وهى تحدث داخل الدولة وتشمل الصراعات المسلحة بين مختلف الفصائل داخل البلد ذاته، وتُعتبر هذه الحروب من الأنواع الأكثر تعقيدًا وخطورة بسبب تأثيرها الواسع على السكان والبنية التحتية، ولدينا كذلك الحرب الاستعمارية: وهى تحدث عندما تقوم دولة بغزو واحتلال دولة أخرى بهدف فرض السيطرة واستغلال الموارد، ويُعتبر هذا النوع من الحروب غير مقبول بموجب القانون الدولى.
وفى مختتم حديثه قدم الدكتور أحمد رفعت سائر المفاهيم التى نص عليها القانون الدولى لأنواع أخرى من الحروب مثل الحروب الباردة، موضحًا أن أشهر الأمثلة عليها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى سابقًا، كما تحدث عن الحروب غير الدولية فى القانون الدولى، وكذلك النزاعات المسلحة غير الدولية: مؤكدًا أنها تشمل الصراعات المسلحة التى تحدث داخل دولة معينة بين الحكومة وجماعات مسلحة أو بين جماعات مسلحة مختلفة، وتُطبق خلالها قوانين النزاعات المسلحة غير الدولية على هذه الحروب، كما تحدث القانون الدولى عن الحروب العصاباتية أو الإرهابية: وهى تشمل النشاطات العسكرية غير القانونية التى تُنفذ من قبل جماعات مسلحة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية. تعتبر هذه الأنواع من الحروب من أكثر الأنواع تعقيدًا وصعوبة فى التعامل معها بسبب طبيعتها غير الدولية والمتفردة.
أعقب ذلك تعقيبًا من المستشار القاضى، الذى تخدث قائلًا: "إذا نستطيع فى عجالة أن نقول أن المشروعية القانونية الدولية تُفرق بين الحرب الهجومية أو الاستباقية وبين الحرب الدفاعية. ومن القواعد المستقرة فى القانون الدولى العام، ما يؤكد أن الاحتلال لا ينهى حالة الحرب الهجومية، وإنما يعد هذا الاحتلال مرحلة من مراحل النزاع المسلح؛ فلا ينتهى النزاع به، ويظل الاحتلال جريمة عدوان تجرمها مصادر المشروعية الدولية المتمثلة فى القانون الجنائى الدولى وكذلك العرف، ومن ثم تجد حرب العاشر من رمضان شرعيتها في القرار رقم 242 الصادر من مجلس الأمن، القاضى بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضى المحتلة، والعودة إلى حدودها فى 4 يونيه 1967م، ومن ثم فإن حق مقاومة الاحتلال كان انسجامًا طبيعيًا مع ما وضعه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عقب النكسة من استراتيجية لإزالة أثار العدوان، تلك الاستراتيجية التى قامت على الجمع بين مقاربة قمة الخرطوم 1967م الرافضة للمفاوضات المباشرة والصلح والاعتراف بإسرائيل، وبين حرب الاستنزاف التى قامت بها القوات المسلحة على جبهة السويس لأكثر من عامين، وإلى حين وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، لذلك وصفت حرب العاشر من رمضان بأنها حرب تحرير وطنية قومية. تحققت لها متطلبات المشروعية كافة، داخليًا وخارجيًا سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية وكذلك السياسية".
بعد ذلك جاءت كلمة الدكتور جميل حليم، الذى تحدث قائلًا: "بداية أتقدم بخالص العزاء للدكتور خالد القاضى، وكل سنة ومصر بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم وكذلك الصيام الكبير، فى البداية اسمحوا لى أن أتقدم بالتهنئة للقيادة السياسية وقواتنا المسلحة وشعب مصر العظيم بذكرى انتصار العاشر من رمضان الذى نحتفل به من أرض مصر الحقيقة، وسيادة الفريق أسامة المندوه الذى بما قدمه من أمجاد هو وسائر أبطال مصر فى نصر أكتوبر المجيد"، وتابع فى مختتم كلمته: "إن خطاب الرئيس السادات فى الكنيست الإسرائيلى يعتبر من أفضل المواد التاريخية التى يمكن أنها تعبر عن ملامح حقبته التاريخية كلها؛ فكان يخاطب بكلماته تلك العالم كله، إن خطاب السيد الرئيس السادات فى ذلك الوقت فى الكنيست كان تحديدًا فى تاريخ التساع عشر من شهر نوفمبر عام 1977م، تقريبا منذ سبعة وأربعين سنة، بعد أربعة سنوات من النصر، ربما نتساءل فى البداية ما الغرض من زيارة السادات إلى الكنيست الإسرائيلى"، وتابع فى مختتم حديثه قائلًا: "هى بالطبع الزيارة الأولى لزعيم عربى إلى إسرائيل، وللعارفين بالموضوع أن الدولتين كانوا فى حالة حرب، وكان القادة العرب جميعًا ضد خطوة السيد الرئيس السادات أن يزور إسرائيل، حتى هنا فى مصر واجه الرئيس السادات معارضة لهذا الأمر، وهذا انعكس فى استمرار وزير الخارجية آنذاك إسماعيل فهمى، وإذا عدنا لخطاب الرئيس الذى أحسبه خطابًا تاريخيًا بكل المقاييس، وبالطبع تناوله الرئيس السادات فى سيرته الذاتية فى كتاب البحث عن السلام ونحن اليوم سنحاول نقل مقتطفات بسيطة منه، لأنه كما قال الدكتور خالد القاضى إذا تتاولنا بالتفصيل ما جاء بذلك الخطاب سنحتاج إلى عشرات السنين؛ فالرئيس السادات ألقى هذا الخطاب متحدثًا إلى ثلاث جهات، الجهة الأولى يمثلها الإسرائيليين أنفسهم داخل الكنيست، ثم المصريين وسائر العرب الذين كانت تراودهم شكوك بشأن هذه الزيارة الجليلة، أما ثالثًا وأخيرًا كان يخاطب السادات القوى العظمى والمجتمع الدولى كافة؛ فبالتأكيد أتى هذا الخطاب فى سياق الحرب الباردة التى كانت ما بين الحرب والسلام، وكانت هناك ثمة تخوفات من جميع الأطراف".
ختامًا تحدث الكاتب الصحفى عبد الرازق توفيق، موجهًا التحية للقوات المسلحة المصرية والسيد الرئيس عبد الفتاح السيسى والشعب المصرى أجمع، بمناسبة حلول ذكرى انتصار العاشر من رمضان، مؤكدًا أن مصر بهذا النصر العظيم استطاعت أن تقدم ملحمة تاريخية لم تسبقها مثيل؛ حيث نجح شعبها العظيم فى تحويل المحنة التى واجهها فى عام 1967م إلى منحة ونصر كبير عام 1973م، وتابع فى مختتم كلمته الموجزة مشيرًا إلى أن تلك الحرب عبرت بقوة عن كيفية تحويل أصعب الانكسارات إلى أكبر الانتصارات، بفضل الإيمان بالوطن النفيس والاستفادة من التحديات والصعاب وتحويل نقاط الضعف إلى قوة، مما أعاد الوطن إلى مسار النجاح والتقدم، وفى مختتم حديثه أوضح أن هذه الحرب ونجسدت روعة الشخصية المصرية الثرية والعبقرية، التى تخلت عن العشوائية والارتجالية، والتزمت بروح التحدى والعمل المنضبط الدقيق المؤسس على العلم.