الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

الشخصية الروائية في النص الأدبي

الدكتور: شعبان مرسي
الدكتور: شعبان مرسي

الشخصية الروائية لا يخلو العمل السردي أو القص منها، فتحظي بمكانة في النقد الأدبي، وبعض النقاد مثل رولان بارت في كتابه مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص عدها بالشئ الذي تستميز به الأعمال السردية عن أجناس الأدب الأخرى وقيل أنها أحد الأفراد الخياليين أو الواقعيين الذين تدور حولهم أحداث القصة {كتاب معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب}. وظهور جوانب الشخصية من تقنيات السرد لأنها ركن من أركان بناء النص الروائي وتعتبر الشخصية أول ما يُجذب القارئ في العمل الروائي، فصارت موجودة في جميع الأنواع الأدبية السردية لكنها في الرواية لها خصوصية متميزة، وذهبت أغلب الأقوال النقدية في تعريف الرواية بأنها فن الشخصية يعني الفن الذي يقدم تجربة إنسانية من خلال تصويره لمجموعة من الشخصيات في واقع محدد زمني ومكاني بطريقة نثرية طويلة وأحداث متسلسلة. وبراعة الكاتب تظهر في خلق شخصية قادرة علي إقناع القاري بأحداث الرواية المعبرة عن الحال القريبة من الواقع فيغوص فيها داخلياً وخارجياً لأنه الوحيد المتفهم للشخصيات فهماً كاملاً وتظهر مهارته الفائقة وإتقانه لتقنيات السرد وتزداد أسبقيته وبراعته في تسخير أدوات فنه بجعل الشخصية الروائية تتمتع بالحياة والحركة مثل التقليديين والواقعيين الذين سخروا كل عناصر السرد التي تعمل على إضاءة الشخصية وإعطائها الحد الأقصى من البروز وفرض وجودها في جميع الأوضاع فجعلوها مخلوقات حية مكونة من لحم ودم تعيش بيننا، فيعرفها القراء ويحبونها أو يكرهونها كشخصية سعيد مهران في رواية اللص والكلاب التي صارت رمزاً لبطل شعبي يجسد لنا المفهوم الشعبي للعدالة الضائعة، وشخصية محجوب عبدالدايم في رواية القاهرة الجديدة وهي شخصية متسلقة وصولية أصبحت رمزاً لطبقة المعدومين الذين طعنهم الفقر فباعوا شرفهم، وكذلك شخصية السيد أحمد عبد الجواد و شهرته سي السيد في رواية الثلاثية كانت رمزاً للطبقة البرجوازية في النصف الأول من القرن العشرين، فصارت هذه الشخصيات بين الناس كأنها بشر تعيش بينهم بالفعل، وتظهر حرفية الكاتب في إطار بنيته الروائية والتي تقوم بتقديم صراع بين الإرادة والشخصية بشكل درامي له أثره من خلال مرحلة نامية متطورة تعرف بالعقدة إلى أن يصل الحدث إلى الذروة وبذلك يكون الصراع قد أوفى غايته ثم ينحدر الحدث ويهبط حتى يصل إلى نهايته، وهناك في بعض الأحيان يختلط على القارئ ولا يقدر أن يفرق بين شخصية الراوي نفسه والشخصية التخيلية في الرواية وبخاصة في الروايات التي يسردها الكاتب مستخدماً ضمير المتكلم ولغة الأنا، ولذلك أشار حسن بحراوي في كتابه ( بنية الشكل الروائي) أن الشخصية الروائية ليست هي المؤلف، وذلك لسبب بسيط هو أن الشخصية محض خيال يبدعه المؤلف لغاية فنية محددة يسعى إليها. وذهب كثير من الروائيين لنفي العلاقة بين شخصياتهم الحقيقة وشخصيات رواياتهم، مثل رواية الأرض للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي إذا يقول فى بداية روايته: لست أريد بهذه الصفحات أن أكتب رواية طويلة، ولا أن أروي هنا تاريخ بعض الرجال أو النساء، ولا ذكرياتي ولست أحتال على القارئ لأسرق اهتمامه ويقظته، فأؤكد له أن الأبطال الذين يضطربون عبر هذه الفصول لم يعيشوا أبداً إلا في الخيال. 
** اختلفت الشخصية عند النقاد على حسب دورها حيث تنقسم إلي ثلاثة أنواع : 
أ- الشخصية الرئيسية: وهي المحور الرئيسي الذي تدور حوله الرواية وتكون في نفس الوقت المحرك الخفي لتلك الأحداث. 
ب-الشخصية الثانوية: وهي التي يلجأ القاص إلى استخدامها في إدارة بعض الأحداث الجانبية المساعدة على تسيير الحدث الرئيسي وإظهار الشخصية الرئيسية، وتكون غير نامية ولديها توازن بينها وبين شخصية البطل، بحيث تذوب الشخصية الثانوية في شخصية البطل.
ج- الشخوص وهم الذين يشكلون خلفية الأحداث، ولابد من وجودهم لاستكمال الصورة، شريطة أن يظلوا بعيدين عن الإدراك .
** قسم النقاد الشخصيات من حيث الثبات والتطور إلى عدة شخصيات هي: 
1- الشخصية النامية : هي الشخصية التي تتطور وتنمو قليلاً قليلاً، بصراعها مع الأحداث أو المجتمع، فتنكشف للقارئ تدريجياً لتطورها نتيجة لتفاعلها المستمر مع الحوادث مثل شخصية عباس الحلو في رواية زقاق المدق، وأحمد عاكف في رواية خان الخليلي وحسنين في رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ، وشخصية مدام بوفاري في رواية مدام بوفاري للكاتب فلوبير. 
2- الشخصية الثابتة: هي شخصية ذات المستوى الواحد تدور حول فكرة واحدة أو صفة فلا تتغير طوال الأحداث ولا تؤثر ولا تتأثر في الحوادث مثلها مثل الفقراء الذين يصنعون مجد الأغنياء. 
3- الشخصية النمطية: هي الشخصية التي لا يكون الاهتمام فيها منصباً على الشخصية ذاتها بوصفها غاية، وإنما يتخذها القصاص وسيلة لإظهار صفة معينة، أي أن الشخصية تصبح مجرد رمز يرمز إلى صفة من الصفات أو آلة توضح سمة من السمات، فلا تكون الشخصيات رجالاً وإنما تكون صفات الشخصيات في صور رجال، بحيث لا يشعر القارئ بالشخصية ذاتها، وإنما يشعر بالصفة أو السمة التي يريد الكاتب إظهارها. من كتاب تذوق الأدب طرقه ووسائله لمحمود ذهني . 
4- الشخصية المتناقضة: هي شخصية قد تكون أكثر حيوية وعطاءً في دلالتها النفسية بما تقدمه من نماذج من البشر يتفردون بحالات شعورية خاصة تستحق الدراسة والتأمل والكشف، وقد تكون هذه الحالات نتيجة الأمراض النفسية الموروثة أو المكتسبة، أو نتيجة للإحساس بالإحباط وفقدان التجاوب مع المد الاجتماعي. من كتاب بناء الرواية لعبد الفتاح عثمان.
5- الشخصية الميتة: هي الشخصية التي تجاوزتها الأحداث، ولكنها تصر علي صلاحيتها، لأن تكون هي الإجابة المناسبة لما تطلبه هذه الأحداث، ولذلك فهي تقف حجر عثرة في طريق المجتمع، وتسد الطرق في وجه كل تقدم ممكن. من كتاب قراءة الرواية: نماذج من نجيب محفوظ لمحمود الربيعي.
مصادر الشخصيات الروائية تنبعث من الواقع وحياة الناس حول القاص، وهذا عرف روائي معتاد عليه من جميع الروائيين وهو الارتباط ببيئته، ففي اختياره لنماذج الشخصيات الحقيقة الواقعية والتي تجري عليها تصوراته وخياله، فينحت الشخصيات الخيالية التي تتناسب مع الأدوار المسندة إليها في العمل الأدبي من خلال إطار فني يخرج بصورة فنية عامة.

تم نسخ الرابط