كيف يمكن لمصر تحويل أزمة سد النهضة إلى انتصار دبلوماسي عالمي؟.. أستاذ قانون دولي يجيب
كشف الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، عن رؤية شاملة لتداعيات أزمة سد النهضة على مستقبل القانون الدولي وأمن المنطقة، وذلك علي اثر توجيه الخارجية المصرية خطاب لمجلس الأمن الدولي تؤكد فيه التعنت الإثيوبي وفشل التفاوض بعد كل هذه الأعوام.
الخطاب الأخير لوزارة الخارجية المصرية إلى مجلس الأمن
وأكد الدكتور مهران في تصريحات صحفية، أن الخطاب الأخير لوزارة الخارجية المصرية إلى مجلس الأمن يمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار الأزمة، معتبرا ان إعلام مجلس الأمن بانتهاء المفاوضات بعد 13 عاماً ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو خطوة محسوبة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية.
سيناريوهات جديدة
وأضاف أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة، بما في ذلك إمكانية اتخاذ مجلس الأمن لقرارات ملزمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما أنها تعزز الموقف القانوني لمصر في حال اللجوء إلى آليات دولية أخرى مستقبلاً.
انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي للمياه
وحذر مهران، من أن التصريحات الإثيوبية الأخيرة حول اكتمال بناء السد تمثل محاولة لفرض أمر واقع كعادة إثيوبيا ، مؤكدا أن إثيوبيا تتجاهل حقيقة أن التنمية الحقيقية تتحقق من خلال التعاون وليس من خلال الإجراءات الأحادية، و مشددا علي ان ما نشهده اليوم هو انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي للمياه.
نزاع سد النهضة يتجاوز كونه قضية إقليمية
وشدد الخبير الدولي، على أن نزاع سد النهضة يتجاوز كونه قضية إقليمية، موضحا ان العالم أمام نموذج لما يمكن أن نسميه "حروب المياه" الجديدة، مؤكدا ان هذه النزاعات تتطلب تطويراً جذرياً في الفكر القانوني الدولي.
الأزمة تؤثر بشكل كبير على الأمن الإقليمي
كما أكد أن الأزمة تؤثر بشكل كبير على الأمن الإقليمي، مشددا علي ان تهديد الأمن المائي لملايين المصريين والسودانيين يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، ومشيرا الي ان هذا النهج يشير الي إمكانية حدوث كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة.
وحول الإجراءات الممكنة اقترح أستاذ القانون الدولي، استراتيجية متعددة المسارات تؤكد علي تفعيل دور مجلس الأمن من خلال المطالبة بجلسة طارئة وإصدار قرارات ملزمة وحاسمة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية رادعة ضد إثيوبيا، واستمرار تكثيف الجهود الدبلوماسية لكسب تأييد دولي أوسع، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتابع، مع الاستعداد للضغط علي الجمعية العامة للامم المتحدة لامكانية طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول شرعية التصرفات الأحادية لإثيوبيا، هذا بالاضافة إلي تفعيل حق مصر في الدفاع الشرعي عن أمنها المائي وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
إعلام مجلس الأمن بانتهاء المفاوضات يعزز موقف مصر قانونياً
وأكد مجددا الدكتور مهران، على أهمية المادة 51، لافتا إلي أن إعلام مجلس الأمن بانتهاء المفاوضات يعزز موقف مصر قانونياً في حال احتاجت للجوء إلى حق الدفاع الشرعي مستقبلاً.
كما بين أن إعلان إثيوبيا، عن قرب اكتمال بناء السد وبدء التشغيل الكامل لا يعني إغلاق ملف الأزمة، موضحا أنه طالما استمر التشغيل والملء بشكل أحادي دون اتفاق قانوني ملزم، سيظل السد يشكل تهديداً مستمراً لدولتي المصب، نظرا لأن إثيوبيا هي من بيدها حجب المياه عن دولتي المصب من عدمه.
ضرورة إيجاد إطار قانوني جديد يتعامل مع تحديات الأمن المائي بجدية أكبر
وحول تطوير فكر القانون الدولي، أكد الدكتور مهران، على ضرورة إيجاد إطار قانوني جديد يتعامل مع تحديات الأمن المائي بجدية أكبر، مؤكدا علي أن العالم يحتاج إلى تطوير الاتفاقية الإطارية للامم المتحدة بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997 لتكون اتفاقية دولية شاملة تنظم استخدام الموارد المائية المشتركة، وتضع آليات ملزمة و فعالة لحل النزاعات.
كما أضاف، أنه يجب أن يتضمن هذا الإطار الجديد تعريفاً واضحاً لجرائم الحرب المائية، وآليات لمحاسبة الدول التي تنتهك حقوق الآخرين في المياه، فضلا عن التأكيد علي إختصاص مجلس الأمن في مثل هذه النزاعات.
استقرار المنطقة بأكملها مرهون بحل عادل و مستدام لهذه الأزمة
وشدد أستاذ القانون، على أهمية الوقت في التعامل مع هذه الأزمة، معتبرا أن كل يوم يمر دون حل عادل يزيد من مخاطر حدوث أزمة لا يمكن السيطرة عليها، داعيا المجتمع الدولي لادراك أن استقرار المنطقة بأكملها مرهون بحل عادل و مستدام لهذه الأزمة، و مضيفا أن هناك حاجة قوية إلى رؤية شاملة لإدارة موارد حوض النيل تضمن الاستفادة العادلة والمستدامة لجميع دول الحوض، مؤكدا أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه المجتمع الدولي اليوم.
ورأى مهران، أن أزمة سد النهضة ليست مجرد نزاع على المياه فقط، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النظام الدولي على التكيف مع تحديات القرن الحادي والعشرين، موضحا انها فرصة لإعادة صياغة قواعد التعاون الدولي في مجال الموارد المائية، وضمان مستقبل أكثر أمناً واستقراراً لشعوب المنطقة والعالم.